لأن الدنيا بطبيعتها دار ابتلاء واختبار، فقد شاءت إرادة الله أن يبتلي أقواماً وشعوباً بالفقر والظروف الصعبة والحروب الداخلية رغم اجتهاد أبناء هذه الشعوب في الكد والعمل الدءوب، ونضالهم في سبيل البحث عن صيغة عادلة للاستقرار السياسي.
كما شاءت إرادته أن يبتلي أقواماً وشعوباً أخرى بطفرات نمو اقتصادي ورخاء ينبع من باطن الأرض أو يرتبط بطبيعة الموقع الجغرافي ، واستقرار ناتج عن التجانس الاجتماعي والطائفي أو المصالح الدولية، ولو كان هذا الاستقرار في ظاهره لا يقوم على أسس عادلة.
والنجاح في هذه الابتلاءات يختلف باختلاف طبيعة الابتلاء، فالابتلاء بالشر والضر والفقر والبأساء يستلزم الصبر الجميل والثبات على القيم مع استمرار النضال المشروع من أجل العدالة والحرية والمساواة، والفشل في هذا الابتلاء يدفع البعض إلى الجزع والتضجر والاستسلام للطغيان والعمل مع الطواغيت وتسخير طاقاتهم في محاربة قضايا الأمة مقابل الفتات البسيط الذي كان يمكن أن يحصلوا عليه من الحلال لو صبروا واجتهدوا وثابروا واحتسبوا وبحثوا عن بدائل لا تتطلب منهم التنازل عن قيمهم.
و الابتلاء بالخير والثراء والاستقرار يستلزم الشكر لله عز و جل و الاعتراف بفضل الله مع الإيمان بأن المال والقوة والصحة هي ودائع الله في أيدينا وواجبنا استخدامها في طاعة المولى عز وجل ومساعدة المحتاجين ونصرة المستضعفين وتوحيد كلمة المسلمين ومساندة القضايا العادلة، والفشل في هذا الابتلاء يحولنا إلى عبيد لما نملك فنجحد نعمة الرازق ونبالغ في تقديس الأسباب ونسخر ثروتنا و قوتنا في محاربة القضايا العادلة ونضع جميع جهودنا ومقدراتنا رهينة بين يدي أعداء الأمة فيستخدموننا لخدمة مصالحهم ومحاربة مصالح أمتنا الإسلامية ولزراعة الفتن الداخلية والكراهية بين الشعوب وتحريض بعض المسلمين على بعض.
وعندما تطوى صفحة هذه الحياة يجد الناجحون في فترة الابتلاء حصاد شكرهم أو صبرهم، ويجد الجاحدوين حصاد كفرهم وجحودهم وصدق الحق القائل' كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ'