كيف يحافظ الأبناء على أمانة الآباء ؟
في الوقت الذي كان يشهد فيه العالم العربي والإسلامي واقع التجزئة والتمزيق لأوصاله الجغرافية والبشرية ؛ قاد الشيخ زايد رحمه الله مع حكّام الإمارات تجربة ناجحة و رائدة في تأسيس إتحاد الإمارات العربية ليجمع بذلك شمل القبائل المتناحرة والمتقاتلة فوضعت الحرب أوزارها وأصبحت من الذكريات الحزينة وأتذكر أني كنت كلما مررت مع الوالد رحمة الله عليه على موقع ما لمعركة من المعارك المؤسفة التي حدثت بين القبائل عادت به الذاكرة إلى ضحاياها من الأهل والأحباب.
ومثل هذا الإنجاز العظيم في توحيد الأرض وتوحيد القلوب ولمّ الشمل جدير بالمحافظة عليه وصيانته و تعهده بالرعاية الكاملة والتضحية في سبيله بالغالي والنفيس والتصدي لكل محاولة لزعزعة الأمن والسلم الاجتماعي أو صناعة الاحتقانات الداخلية بسياسة التهميش والإقصاء و الاستحواذ على القرار وصناعة الاحتراب الداخلي وتخوين أبناء الوطن الواحد لتبرير الممارسات التعسفية بحقهم وتكميم الأفواه ومصادرة الحقوق والحريات وغير ذلك من الممارسات التي أصبحت معروفة لدي القاصي والداني وتتحدث عنها منظمات إنسانية دولية.
وجدير بنا اليوم ونحن نحتفي بالذكرى السادسة والأربعين لإعلان إتحادنا التأكيد على أهمية الحفاظ على أمانة وحدتنا وسلامنا الاجتماعي في ظل وطن واحد يستوعب جميع أبنائه ولا يقبل الإقصاء أو التهميش والاستبعاد الاجتماعي والأخذ على يد كل من تسول له نفسه خيانة الأمانة التي تحملناها جميعا ويحاول تفخيخ النسيج الاجتماعي واختلاق خصومات وصراعات داخلية .
إن الاحتفاء الحقيقي والمثمر في ذكرى التأسيس يكمن في تحويل الذكرى إلى فرصة للمراجعة والمحاسبة وتدارك الأخطاء لتحويل ذكرى التأسيس إلى انطلاقة جديدة نحو آفاق مستقبل آمن ومستقر ينعم فيه جميع أبناء الوطن بالحقوق والحريات المتساوية.
ولا نتجاهل هنا أهمية التغني بالانجازات من باب قوله تعالى ' وأمّا بنعمة ربك فحدث' مع التأكيد على أهمية استشعار فضل الله و رحمته في تحقيق هذه الانجازات وخطورة سلوك طريق من بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار . والتاريخ حافل بأمثلة أشار إلى بعضها القرآن الكريم لدول كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا ' وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون . ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون'.
ومن هنا تأتي أهمية التأكيد على الأساس الإسلامي الذي تأسس عليه الاتحاد وخطورة الانحراف عن هذا الأساس. فالمجتمعات التي تنقلب على جذورها التأسيسية تفقد هويتها الحضارية و تعيش حالة من التبعية والاستهلاك تجعلها عاجزة عن الاستقلالية والعطاء الحضاري.
فعلينا أن نعتز بأن اتحادنا الإماراتي العربي تأسس على الإيمان بالإسلام عقيدة وشريعة، وليس في ذلك ما نخجل منه أو يدعونا إلى التنكر لهذه الهوية الأصيلة. وليس في هويتنا الإسلامية ما يمنعنا من الانفتاح والاستفادة من الحضارات الإنسانية ومواكبة العصر .
وإنطلاقاً من هويتنا الإسلامية أكد مؤسسو الاتحاد المضي قدماً في تعزيز المشاركة السياسية والمواطنة المتساوية والتنمية الإنسانية الشاملة بالتزامن مع التنمية الاقتصادية. فالإنسان هو أساس التنمية وهدفها، وسعادته وحقوقه وحرياته هي أولى الأولويات .
وختاماً نؤكد إن أمانة الحفاظ على الوطن تبدأ من الحرص على حقوق وحريات المواطن عبر مواطنة متساوية لا إقصاء فيها ولا تهميش في ظل دول الحق والقانون والقضاء المستقل.
و إن مسؤوليتنا نحن جيل الأبناء تتعاظم في الحفاظ على جهود ومنجزات جيل الآباء وعدم السماح بالتفريط فيها عبر سياسات تقوض السلم الداخلي وتزرع أسباب الفرقة في النفوس وتشعل نيران الأحقاد بين مكونات المجتمع الواحد، والله من وراء القصد