الأسرة هي المؤسسة التربوية الأولى و في رحابها يترعرع الأبناء على العادات الحميدة أو السيئة وفي أجواءها يتشكل العقل والوجدان وفي أفيائها تتفتق زهور الطاعة والإيمان أو تنمو أشواك العصيان فالأسرة المؤمنة تحبب الإيمان في قلوب أفرادها وتزيينه في قلوبهم وتكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، ومن الوسائل الأسرية في تنمية الإيمان وإحيائه في النفوس استثمار الأيام المباركة ومواسم الطاعات الربانية ومنها هذه الأيام المباركة أيام العشر من ذي الحجة.
وواجب الأسرة إشاعة الأجواء الروحانية في المنزل في هذه الأيام والتخطيط لبرنامج يتضمن تكاليف جماعية وفردية ومن هذه التكاليف الوقوف والتأمل في قصة أسرة التوحيد الأولى التي ارتبطت هذه الأيام بأول بيت للتوحيد أسسته هذه الأسرة ونعني هنا أسرة إبراهيم عليه السلام و مواقفها الخالدة ومساهمتها في بناء بيت الله المحرم.
وتبدأ قصة إبراهيم من موقفه من أبيه ودعوته إلى التوحيد ومواجهة قومه والتضحية في سبيل دعوة التوحيد وتعاون الأبناء في بناء البيت العتيق'وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ .. وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ' وتأتي بعد ذلك تضحية إسماعيل عليه السلام حين قال لأبيه افعل ما تؤمر قبل أن يشرع الله الأضحية ليفتديه. فالحديث عن الأضحية وبداية مناسك الحج في تاريخ التوحيد والدور الأسري للزوجة والأبناء في التضحية في سبيل الدعوة ودعاء إبراهيم 'ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون' كل هذه الدروس والمواقف الثرية يكون لها بالغ الأثر حين يتم استعراضها في هذه الأيام في أجواء الحج ومع شراء الأضحية ومشاهدة مناسك الوقوف يوم عرفة. وعلى الأسرة الاستعانة ببعض الوسائط المسموعة والمرئية في الاستماع إلى قصة إبراهيم وبناء البيت وقصة الأضحية ومشاهدتها بصورة جماعية .
ومن التكاليف التي تساهم في إشاعة الأجواء الإيمانية في هذه الأيام المباركة الصيام الجماعي وإذا تعذر صيام جميع الأيام فلا بأس من الاقتصار على صيام يومي الاثنين والخميس علماً أن الخميس القادم سيوافق يوم الوقوف في عرفة وعليه فأن أجر صيامه مضاعف وفي الصيام الجماعي والحرص على الافطار الجماعي استعادة لأجواء شهر رمضان المبارك الروحية وهذه الأجواء تترك الأثر البالغ في نفوس الأطفال.
ومن وسائل إشاعة الأجواء الإيمانية الأسرية في هذه الأيام الحرص على صلاة الجماعة في المسجد ويستحسن أن يجلس الأب مع أبنائه بعد صلاة الفجر لقراءة القرآن والمأثورات حتى طلوع الشمس وإشاعة التكبير والتهليل والتسبيح في المنزل في أوقات مختلفة ويفضل أن تكون بعد الصلوات الخمس.
ومن وسائل إشاعة الأجواء الإيمانية في الأسرة تكليف الأبناء بتفقد أحوال الفقراء والمساكين في الحي الذي يسكنون فيه وتوزيع المعونات ويفضل حثّ الأبناء على التصدق من مصروفهم الشخصي.
ومن الأمور التي يجب أن تحرص عليها الأسرة تنظيم زيارات لصلة الرحم كزيارة الجد أو الجدة والأعمام والعمّات والأخوال والخالات وغيرهم.
ويفضل يوم عرفة مع صيام هذا اليوم أن تشاهد الأسرة بصورة جماعية شعائر الحج والوقوف في عرفة والاستماع إلى خطبة الحج وفي أثناء عرض الشعائر يقوم الأب أو الأم بشرح بعض تكاليف الحج وأركانه وسننه .
إن الالتزام بهذا البرنامج مع إضافة كل فعل خير يتيسر للأسرة يحول الأيام العشر إلى مدرسة للتزكية والتهذيب ويشيع الأجواء الإيمانية ويعمق الروابط الأسرية وبعد كل ذلك وأهم من كل شئ الفوز برضوان الله الأجر العظيم للعمل الصالح في أيام يكون فيها العمل الصالح أحب ما يكون إلى الله نسأل الله أن يوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه.