في كتابه إغاثة اللهفان يقول ابن القيم رحمه الله' ومن علامات صحة القلب: أن لا يفتر عن ذكر ربه ، ولا يسأم من خدمته، ولا يأنس بغيره ، إلا بمن يدله عليه ، ويذكِّرُهُ به ، ويذاكره بهذا الأمر' وهذه العبارة العظيمة تقدم لنا مقياساً للاختبار الذاتي لمدى قربنا أو بعدنا عن الله عز وجل.
فإذا استأنس الإنسان بالخلق أكثر من استئناسه بالخالق، وانشرح لذكر غير الله أكثر من انشراحه بذكر الله، واستوحش عند حصول الجفوة مع المخلوقين أكثر من توحشه عند حدوث الجفوة مع الخالق، فإن هذه العلامات تدل بمجموعها على انحراف مسار العلاقة مع الله وضعف الإيمان، وضرورة المراجعة للذات قبل أن تتراكم علامات الغفلة على القلب فيطبع عليه نتيجة استمراء البعد عن الله.
وإذا كانت هذه علامات البعد فما علامات القرب؟ يقول ابن القيم رحمه الله' والقرب يوجب الأنس والهيبة والمحبة.. وقوة الأنس وضعفه على حسب قوة القرب، فكلما كان القلب من ربه أقرب كان أنسه به أقوى، وكلما كان منه أبعد كانت الوحشة بينه وبين ربه أشد”.
ويحدد إبراهيم بن أدهم أعلى درجات القرب فيقول: 'أعلى الدَّرجات أنْ تنقطع إلى ربِّك وتستأنِسَ إليه بقلبِك وعقلك وجميع جوارحك حتى لا ترجُو إلاَّ ربَّك ولا تخاف إلاَّ ذنبكَ وترسخ محبته في قلبك حتى لا تُؤْثِرَ عليها شيئاً ويكون ذكر الله عندكَ أحلى مِنَ العسل وأحلى من المَاء العذب الصَّافي عند العطشان في اليوم الصَّائف'.
نسأل الله أن يجعلنا من المستأنسين بقربه بقلوبنا وعقولنا وجميع جوارحنا.