يتأثر مفهوم العبادة والعمل الصالح بالمناخ العام الذي فرضته الثقافة الوافدة على مجتمعاتنا وبالعلمانية التي تسللت إلى مؤسساتنا الثقافية فعزلت التدين عن الحياة، واستفادت من جمود الخطاب الديني الذي عجز عن مواكبة التجدد الحضاري، ولم يستوعب الكثير من فقهاء المدرسة التقليدية تعقيدات الحياة العصرية وكيفية مواكبتها بتجديد الفقه واستيعاب النوازل وتحقيق المقاصد فجمد الخطاب الديني على المفهوم التاريخي للعبادة والعمل الصالح، واستفادت من ذلك العلمانية الثقافية والثقافة المادية التي جرفت الكثير من الشباب في مشاغلها وفرضت اهتماماتها ورؤيتها للحياة وساهمت في صياغة السلوكيات والوجدانيات والأفكار بعيداً عن هداية الوحي.
ولم يجد الشباب من يبصره بكيفية الاستفادة من معطيات الحضارية في خدمة هويته الثقافية والدفاع عن كينونته التي تتعرض للانسحاق أمام طوفان العولمة، ولم يجد من يساهم في تفتيح وعيه على كيفية ممارسة العبادة والعمل الصالح في السياق الحضاري والبناء النهضوي والنهوض بواجبات الإنسان المستخلف على عمارة الأرض الذي سخر الله له ما في السماوات والأرض، ولا سيما تغييب علماء الإصلاح والتيار الوسطي في السجون ومحاربتهم وتشويههم في وسائل الإعلام، وتشويه خطاب الإصلاح الديني من خلال علماء السلاطين الذي يصورون الإصلاح الديني بأنه انسلاخ عن الهوية وتأييد للاستبداد ومباركة للتطبيع والتبعية وتمرد على الثوابت.
ولعل المناسبة سانحة ونحن بين يدي الأيام العشر من ذي الحجة للتذكير بالأحاديث التي نصت على أن العمل الصالح فيها أفضل من سائر الأيام ؛؛ للتذكر بإعادة النظر بمفهوم العبادة الشامل ومفهوم العمل الصالح وأن العبادة والعمل الصالح تشمل المجال الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والإعلامي والفني والصناعي والرياضي وجميع مناشط الحياة' قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين' ولدعوة الدعاة والمرشدين لإثراء مفهوم العمل الصالح وتطبيقاته في جميع مجالات الحياة المتجددة.