توقفنا في مقال الأمس أمام درسين عظيمين من دروس حادثة فتح مكة أو الفتح الأعظم أو الفتح المبين بلغة القرآن الكريم وهما: درس التخطيط الدقيق وإحاطة التجهيزات بالكتمان والسرية القصوى، ودرس تغليب خيار السلام في حالة جنوح الآخرين إلى الصلح.
ونتوقف اليوم أمام درسين عظيمين أولهما: درس مجاهدة النفس على إخلاص الولاء لقضايا الإسلام والمسلمين والحرص على التجرد من كل مظاهر الخيانة الظاهرة والباطنة من خلال التربية بالحدث وقد جاءت حادثة بلتعة لتعلمنا هذا لتعلمنا هذا فرغم فضل بلتعة ورغم سابقته في الجهاد ومشاركته في بدر ورغم كونه من المهاجرين الذين نالهم العنت من المشاركين إلا أنه أستسلم للحظة ضعف وراودته نفسه بأنه يتخذ عند قريش وسيلة لحماية قرابته فارتكب خطيئة تسريب معلومات إلى العدو فانكشف أمره ونزل الوحي مربياً للمسلمين على ضرورة التجرد والتخلص من كل الوشائج مع الأعداء' يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ إِن كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ'.
ومن دروس فتح مكة: أهمية تغليب الرؤية الاستراتيجية على المصلحة القريبة وقد تجلى هذا التغليب للرؤية الاستراتيجية بوضوح في صلح الحديبة والذي قبله النبي صلى الله عليه وسلم بكل شروطه و التي اعتبرها البعض شروط مجحفة ولكن نظرة النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الصلح كانت نظرة استراتيجية وأكدت الأيام صوابية هذه الرؤية فقد كانت بداية إعلان النهاية لقوة قريش ومقدمة الانهيار، وأتاحت فرصة لانتشار الإسلام وتوسعه ومهدت لفتح مكة بأقل الخسائر وأكبر المكاسب.