من عجائب الأقدار أن تأتي ذكرى فتح مكة بعد ذكرى معركة بدر بأيام قليلة في هذا الشهر المبارك، وكما كانت غزوة بدر هي شرارة البادية المحرقة فإن فتح مكة بداية النهاية المشرقة لترسيخ دعائم دولة التوحيد وتطهير الكعبة المشرفة من مظاهر الوثنية.
وكان فتح مكة الضربة القاصمة للوثنية التي اجتمعت تحت راية قريش، وقد تجلت عبقرية القيادة والروح الإنسانية في هذا الفتح العظيم في التخطيط الدقيق وإحاطة التجهيزات بالكتمان والسرية، وفي تغليب خيار السلام في حالة جنوح الآخرين إلى الصلح والسلم، فقد كتم الأمر حتى عن أقرب الناس إليه وهما أبوبكر صاحبه وزوجته عائشة رضي الله عنهما، وبعث بسرية إلى بطن إضم للتضليل.
وبعد بداية التحرك نحو مكة كلف من يراقب أي عملية تسريب للمعلومات وتم إحباط محاولة بلتعة، ولم يكن كل هذا التخطيط والتجهيز للعدوان، فالسلام هو الأصل في الإسلام ولا عدوان إلا على المعتدين، وما كان فتح مكة إلا بعد غدر قريش بحلفاء المسلمين من قبيلة خزاعة حتى خرج سيدهم مناشداً النبي صلى الله عليه وسلم ' يا ربي إن ناشدٌ محمدا،، إن قريشاً أخلفوك الموعدا،، ونقضوا ميثاقك المؤكدا ' ومع ذلك عندما جنحت قريش للصلح وافق النبي صلى الله عليه وسلم ملتزماً بالمبدأ القرآني 'وان جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله انه هو السميع العليم' ونتوقف في مقال قادم مع دروس أخرى من دروس فتح مكة بإذن الله.