تحدثنا في مقالات سابقة عن مسارات التربية الرمضانية الإيمانية العقائدية، وفي وقفة اليوم نتطرق للمسار الأخلاقي في التربية الرمضانية، وهو مسار وثيق الصلة بالمسار العقائدي، فالعقيدة هي أساس التربية الإسلامية، وعلى قواعدها الراسخة يتم تشييد الأخلاق والتشريعات والآداب حتى يلتزم بها المسلم ابتغاء وجه الله وبدافع ذاتي من الضمير الإيماني.
وإذا كان الصيام في رمضان هو مدرسة التقوى فإن الانعكاسات التعاملية للتقوى هي الأخلاق الحسنة، فالتقوى وحسن الخلق متلازمان، وهما أساس الفلاح؛ فقد جاء في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئِل عن أكثر ما يُدخِلُ الناسَ الجنة، فقال: 'تقوى الله وحُسن الخُلُق'. والأخلاق الفاضلة من صفات المتقين، وتتجلى في الإنفاق، وضبط النفس، وكظم الغيظ، والعفو، والتسامح، والإحسان، قال تعالى: 'أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ'.
لأن الأخلاق هي ثمرة التقوى ولأن المقصد الأعلى للصيام هو تحقيق التقوى فقد جاء تأكيد أهمية تلازم الصيام مع ارتفاع الحس الأخلاقي عند المسلم والتحلي بالأخلاق الحميدة والابتعاد عن الأخلاق السيئة؛ فلا يجتمع الصيام وقول الزور؛ 'من لم يدَع قولَ الزُّور والعملَ به فليس لله حاجةٌ في أن يدَعَ طعامَه وشرابَه'، وفي الحديث الصحيح: 'فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل؛ فإن سابَّه أحد أو شاتمه فليقل: إني صائم'، وقد فهم الصحابة رضوان الله عليهم هذا التلازم بين الصيام وحسن الخلق، قال جابر رضي الله عنه: 'إذا صُمتَ فليصُم سمعُك وبصرُك ولِسانُك عن الكذِب والمحارِم، ودعْ أذَى الجار، وليكُن عليك وقارٌ وسكينةٌ، ولا يكُن يومُ صومِك ويومُ فِطرِك سواء'.
لا تتوقف روافد التربية الأخلاقية في رمضان مع دروس الصيام، فرمضان شهر القرآن ولتلاوة القرآن المتدبرة أثرها البالغ في تهذيب الأخلاق، فالقرآن هو الدستور الأخلاقي للمسلمين، والقرآن يرشدنا إلى القيم الإنسانية السامية والأخلاق الفاضلة مع المسلمين ومع غير المسلمين المسالمين لنا: 'وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ'، وأمرنا القرآن الكريم ببر الوالدين والإحسان إليهما ولو كانا على غير ديننا، وطاعتهما في غير معصية، ولا يمكننا في هذه العجالة الإشارة إلى جميع معالم الأخلاق الفاضلة التي جاء القرآن الكريم لتعزيزها وترسيخها في نفوسنا وواقعنا.
وكما يعلمنا رمضان دروس الأخلاق بالصيام والقرآن، فإنه يهدينا أيضاً إلى الأخلاق الحميدة بواسطة صلاة القيام؛ فالصلاة في رمضان تأخذ طابعاً مختلفاً، وتأثيرها في السلوك أكبر؛ 'أَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ'.
والمسار الأخلاقي في التربية الرمضانية يستفيد من الإقبال على الإنفاق في رمضان في علاج شح الأنفس وأمراض البخل ومن روافد المسار الأخلاقي في التربية الرمضانية تمتين الروابط الأسرية بصلة الأرحام، وأهم رافد من جميع هذه الروافد هو التوبة الصادقة إلى الله، والحرص على التخلق بأخلاق القرآن في شهر القرآن، فقد كان خلق النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، وقد زكى القرآن خلقه فقال: 'وإنك لعلى خلق عظيم'.
نسأل الله أن يجعلنا ممن صام الشهر، وتخلق بأخلاق الصيام، حتى نخرج من هذا الشهر أكمل إيماناً وأحسن أخلاقاً.