التربية على القيم هي التنمية الإنسانية الحقيقية، وكل تنمية لا يوظفها إنسان محكوم بالقيم تتحول إلى وبال على المجتمع، وقيمة الوفاء من القيم الأساسية التي تؤكد أصالة الإنسان وثقته بنفسه وأهليته لثقة الآخرين به، كما تعكس قيمةُ الوفاء إحساس الشخص بالمسؤولية، وتعكس نزاهة الفرد واستقامته ونقاء قلبه وأمانته، واحترامه لنفسه وللآخرين من حوله، وإيمانه العميق بخالقه، وكرامة الخلق. إنها قيمة عظيمة تتداخل مع كثير من القيم الأخرى كالصدق والأمانة وغيرهما. وتكاد تنتظم معظم القيم الإنسانية وتتشابك معها لترسم لنا صورة الشخصية الإنسانية السويَّة.
كما تأخذ قيمة الوفاء أهميتها وأولويتها في منظومة الأخلاق والقيم الإنسانية؛ فإن هذه القيمة تحتل أيضاً مكانتها السامية في رسالات السماء، فقد أكد القرآن الكريم أن البر الحقيقي ليس في الممارسات الشكلية للشعائر مع أهميتها، ولكنه في الإيمان والوفاء بالعهد؛ ((لَيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ))، وفي الآية ((والموفون بعهدهم إذا عاهدوا))، وفي سياق آخر يقول عز وجل: ((الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق)).
وفاقد الوفاء تتجمع فيه جميع علامات النفاق المذكورة في السنة النبوية: 'إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان'، فهو عندما يتخلى عن مسؤوليته يخون الأمانة، وعندما يخلف بوعده يكذب، ومن هنا تبدأ الأهمية الإنسانية والدينية للتربية على الوفاء.
كما ترتبط قيمة الوفاء بمنظومة متكاملة من القيم الدينية والإنسانية، فإن مفهوم الوفاء لا يقتصر على نوع محدد، فهناك الوفاء للنفس بالحرص على ما فيه مصلحتها في الدنيا والآخرة، والوفاء لله بالحرص على توحيده والابتعاد عن جميع مظاهر الشرك الظاهرة والباطنة، فليس من الوفاء مع الله أن نشرك به من ليس في يده شيء، بل إن هذا الشرك خيانة عظمى وظلم عظيم، والوفاء مطلوب لديننا وأمتنا وإخواننا، والوفاء يتجسد في التزامنا بحقوق غيرنا، لا سيما من نتحمل مسؤوليتهم بصورة مباشرة، والوفاء يتمثل في المعاملات المالية والعقود والالتزامات المرتبطة بالعلاقات بين الأفراد والأسر والجماعات ونحو ذلك.
تبدأ تربية الأبناء على الوفاء، بالتربية بواسطة القدوة الحسنة، فينبغي أن يكون الوالدان نموذجين للوفاء، ومن المهم في هذا الصدد الالتزام بأي وعود يعطيها الوالدان للأبناء، لأن بعض أولياء الأمور يطلقون الوعود أحياناً لغرض الترضية، أو للتخلص من ضغط المطالبة، ويعتزمون عدم الوفاء بهذه الوعود، ومن هنا يتسرب مفهوم الاستهانة بالوعود إلى الأبناء بطريقة غير مباشرة ولكنها عميقة وخطيرة.
والأفضل تعليم الأبناء عدم تقديم وعود لا يستطيعون الوفاء بها لمجرد التخلص من مشكلة مؤقتة أو للحصول على مصلحة ما، ومن وسائل تربية الأبناء على الوفاء عرض القصص المؤثرة التي يحرص الطفل على تقمص شخصياتها، والتي تقدم صورة إيجابية لأهل الوفاء، وسلبية عن الخائنين ومصيرهم، ومن المهم إحياء مبدأ المناصحة داخل الأسرة وأن نطلب من الأبناء أن يذكِّروا الآباء عند الوقوع في مخالفة لمبدأ الوفاء، فالإنسان معرَّض للخطأ، وبهذه الأساليب وغيرها تتعظَّم قيمة الوفاء في نفوس الأبناء ونعمل على بناء شخصياتهم، وحمايتهم من الوقوع في أوحال الخيانات بمختلف أنواعها.