من يتأمل الأجواء التي سبقت حادثة الاسراء والمعراج يلاحظ التضحية العظيمة التي بذلها النبي صلى الله عليه وسلم في سبيل الدعوة، وكيف واجه التحديات وتحمل الأذى والمتاعب الشديدة وكيف أشتدت عليه المضايقات بعد وفاة عمه وزوجته، وكيف خرج إلى الطائف وما ناله هناك من تسليط السفهاء عليه ليتعقبوه بالحجارة وغير ذلك من صنوف المضايقات، ونبينا الكريم هو القدوة الحسنة في التضحية وهو القدوة الحسنة في عدم الاستسلام للظروف القاسية والتغلب على هذه الظروف ومحاولة البحث عن ظروف أفضل للدعوة ومساحات جديدة حتى لو واجه مضايقات وصعوبات.
فقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم يلتمس مساحة جديدة للدعوة في الطائف وواجه المضايقات حتى كادوا أن يكونون عليه لبدا'وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا' ونلاحظ أن الله عز وجل يتحدث عن نبيه الكريم في مقام التضحية بصفة العبودية ولا يصفه باسمه ولا بوظيفته ' وإنه لما قام عبدالله يدعوه' وقد تكرر ذلك في آية الإسراء ' سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ' وليس هناك أشرف للمؤمن ولا أرفع مقاماً من العبودية لله عز وجل.
ومن دروس الدعوة العظيمة قبل حادثة الاسراء درس الرحمة بالمدعويين، فرغم الأذى الكبير الذي نال النبي صلى الله عليه وسلم من قومه فقد رفض أن يدعو عليهم، وجاء في صحيح مسلم أن الله أرسل له ملك الجبال فقال له: أنا ملك الجبال وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا' فلم تتملك النبي صلى الله عليه وسلم غرائز الانتقام لنفسه وغلب مصلحة الدعوة المستقبلية على الانتصار لغريزة الانتقام، ولم يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلا إلى الله وحده يرجوه العون ويسأله الرضا عنه والعافية وها هو القدوة الحسن يعلمنا أن المهم هو أن يكون العبد في محل عين الرضا ولا يتعرض لمواطن غضب الرب'ن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي. ولكن عافيتك أوسع لي. أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت به الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن تنزل بي غضبك، أو تحل علي سخطك. لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلّا بك'.