كلما خنقت الأنظمة القمعية الأصوات الحرة في وسائل الإعلام التقليدية فتحت ثورة التكنولوجيا والاتصالات فضاءً جديداً للتواصل الحر والبعيد عن الهيمنة والشمولية وعن محاولات فرض الرأي الواحد وإخراس الأصوات الحرة، وكلما قامت الأنظمة القمعية بملاحقة جديد التكنولوجيا وتطبيقات وسائل التواصل ومحاولة فرض رقابتها عليها وإغراقها بالذباب الإلكتروني، ظهر وسيط جديد يفتح مجالاً جديداً للشعوب الحرة لكي تقول كلمتها التي تحاول الأنظمة القمعية مصادرتها وتزييفها وإثارة النعرات المناطقية بين الشعوب، وفي جميع الأحوال نجد دائماً في المناخات الحرة أن شعوبنا العربية والإسلامية تكشف عن أصالتها وحقيقة مواقفها، وتبدد الصورة المزيفة التي ترسمها أنظمة القمع والتسلط عن هذه الشعوب، وهذا ما يظهر دائماً في المراحل الأولى من اكتشاف أي تطبيق أو موقع من مواقع الإعلام الاجتماعي الجديد.
في خضم المحاولات المتواصلة للأنظمة التسلطية لخنق الأصوات الحرة والرقابة على الفضاء التواصلي الجديد جاء تطبيق كلوب هاوس Clubhouse ليكسر الطوق المفروض على الشعوب، ويفتح فضاءً جديداً للأصوات المصادرة، ويتيح فرصة للرأي الآخر للتعبير عن نفسه وللحوار البناء، واكتسب هذا التطبيق شعبية كبيرة رغم أنه ما يزال في مرحلته الأولى، والدخول إليه مقيد بتلقي دعوة من مشارك، ولا يزال التطبيق غير متاح في نظام آندرويد Android، ورغم ذلك فقد شكل إزعاجا كبيراً للأنظمة التسلطية التي توهمت أنها قطعت ألسنة الناس وحبست الحروف في الحلوق وزيفت وعيهم من خلال وسائل الإعلام التقليدية، ويتيح هذا التطبيق للأعضاء الانضمام إلى غرف خاصة بالمحادثات الصوتية، ويعتمد التطبيق على التواصل الصوتي وليس النصي، ويتيح فرصة للتواصل مع أهل العلم والدعاة والسياسيين والمفكرين بطريقة منظمة وآمنة إلى حد كبير حتى الآن.
يقدم تطبيق كلوب هاوس فرصة للأفراد في الشعوب المقموعة والذين تعرضوا للتهميش والإقصاء والتشويه المتعمد أن يقولوا كلمتهم، وأن يتحاوروا بعقلانية وهدوء مع من يختلف معهم. ولا نريد أن نكون مفرطين في التفاؤل في مسألة إمكانية استخدام هذا التطبيق لأغراض خاطئة أو إمكانية تعرضه لأي نوع من أنواع الاختراق والرقابة، ولكن ذلك لا ينبغي أن يدفع الشعوب إلى الإحجام عن التعبير الحر عن مواقفها والمشاركة الإيجابية في أي نافذة من نوافذ التواصل الحر والمسؤول، وتعزيز مشاركة الشعوب في قضايا الشأن العام، وتشجيع الأفراد والمؤسسات على التعبير عن وجهات نظرهم، والحوار مع بعضهم البعض وتبادل الآراء وتنقيح الأفكار وتحقيق الذات وتجسيد المواطنة الحقيقية في العالم الرقمي.
ستحاول بدون شك الأنظمة القمعة الترصد للمنابر الحرة ومحاولة إغراقها بغرف الدردشة حول القضايا التافهة، ومحاولة الدفع بالذباب الإلكتروني لإغراق غرف الدردشة، وفي جميع الأحوال لن يمنع ذلك تحقيق الاختراقات المهمة والانتصار لثقافة الحرية المسؤولة بواسطة هذا التطبيق أو غيره من التطبيقات التي يمكن اكتشافها، وكلما تزايد عدد تطبيقات التواصل تتعقد وظيفة الذباب الإلكتروني، وتتضح للعالم الحر معالم بؤس الأنظمة القمعية وضيقها بالرأي الآخر، وأنها عقبة أمام الفضاءات الحرة وأمام تحقيق الإنسانية لإنسانيتها، وفي جميع الأحوال لن يغني هذا التواصل عن محاولة التواصل الحقيقي في العالم الواقعي ولكنه اختراق مهم يكسر طوق العزلة ويمنح المهمشين فضاء للتواصل ومنبراً للحوار وإيصال كلمتهم إلى غيرهم، ولا ينبغي لصاحب الرسالة أن يقصر في استثمار أي فرصة وأي مجال للتعبير عن رأيه.