في أول جمعة من هذا الشهر الحرام شهر رجب جدير بنا أن نتوقف أمام النهي القرآني عن ظلم الأنفس في الأشهر الحرم الوارد في قوله تعالى ' مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ' وللوقوف على معنى ظلم النفس علينا العودة إلى المصدر الأول للتفسير وهو تفسير القرآن بالقرآن وقد تحدث القرآن الكريم عن ظلم الأنفس في أكثر من موضع.
ومن ظلم النفس الذي نتذكره في يوم الجمعة ونحن نقرأ سورة الكهف ظلم النفس بعدم شكر المنعم على نعمه، وعدم التواضع لله والانفاق في سبيل الله كما جاء في قصة صاحب الجنتين 'وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا* وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْت ُإِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا'.
ومن ظلم الأنفس الوراد في القرآن الكريم الاستسلام للطغيان والاستضعاف والاستبداد قال تعالى 'إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً' والآية تتضمن وعيداً شديداً لمن يستكين للطغيان الذي يصادر حرية العقيدة والعبادة وحرية الرأي والفكر والإيمان.
والهجرة لا تستلزم مغادرة الأوطان بالضرورة ولكنها إشارة إلى تعدد وسائل المقاومة للطغيان فقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم بعض المؤمنين بأنهم مهاجرين حيثما حلوا.
ومن ظلم النفس عدم التوقف عند حدود الله و عدم اجتناب نواهيه والتزام أوامره قال تعالي' وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ' نسأل الله ألا يجعلنا من الظالمين أنفسهم في هذا الشهر الحرام وفي سائر الشهور والأيام.