مع رحيل عام وإقبال عام جديد ترتفع حاسة الإحساس بالزمن وتتفتح مسامات العقل والروح لموعظة تعاقب الليالي والأيام 'يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ في ذَلِكَ لَعِبرَةً لأُولي الأَبصَارِ'.
والإحساس بالزمن هو إحساس نسبي يرتبط بدوران الأرض حول نفسها وحول الشمس، فهو يرتبط بالنظام الشمسي، ونحن اليوم في اليوم الأول من السنة الشمسية الجديدة، وكما جعل الله لهذا الدوران والتعاقب حكمة كونية تتعلق بنظام الخلق وتدبيره فقد جعل لها أيضاً غرضاً تربوياً للتذكير والاتعاظ 'وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ خِلفَةً لِمَن أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَو أَرَادَ شُكُورا'.
وكما ودعنا العام الماضي واستقبلنا العام الجديد سيأتي علينا يوم ما نودع فيه هذا العالم ونستقبل فيه عالماً آخر ونكتشف أن الحياة في ذلك العالم هي الحياة الحقيقية وأننا كنا في غفلة محجوبون عن رؤية الحقيقة، وسنتعرض في ذلك العالم الحق الذي لا ريب فيه لمساءلة شاقة عن كل ما اقترفته أيدينا في دار الاختبار 'فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ' و روى الترمذي بسند حسن صحيح عَنْ أَبِى بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَا فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ '.
نسأل الله أن يجعل العام المرتحل مرتحلاً بذنوبنا وأحزاننا، وأن يجعل العام المقبل مقبلاً بالرحمات والبركات وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.