من معالم السير على طريق الأنبياء الحرص على تربية أنفسنا وأولادنا على التوحيد وتجنب جميع مظاهر العبودية لغير الله 'ربَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ'، 'وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ' ودعاء إبراهيم هنا امتثال لتوجيه إلهي 'وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ' وقد سار على درب إبراهيم في تربية الأبناء على التوحيد الأنبياء من بعده 'أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ' .
وسلك الصالحون من الحكماء طريق الأنبياء في تربية أبنائهم على التوحيد وعدم الشرك 'وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ' فتوحيد الله هو أغلى ما نملك، والحرص على تربية الأجيال القادمة على توحيد الله يأتي في صدارة الغايات التربوية العظيمة التي يجب أن يحرص عليها المجتمع المسلم، ولا يمكن التنازل عنها بأي حال من الأحوال.
والتحدي الذي يواجه عقيدة التوحيد اليوم ليس عبادة الأصنام الحجرية، ولكن عبادة الأوثان البشرية الحاكمة التي تريد أن تفتن الناس عن عقائدها وتروج لقيم وشرائع ومبادئ فاسدة، وتعمل على تمييع مفاهيم الولاء والبراء، وتحارب الهوية وتستعبد الناس بمصادرة حرية النقد وحرية الدعوة وحرية النصيحة وحرية البلاغ، ولا تسمح إلا بالتسبيح بمجدها والثناء على سياساتها الشيطانية، وتعمل على تدجين الأجيال على العبودية لغير الله، والتنازل عن حقوقهم وكرامتهم والخضوع للاستبداد والاستعمار، والتعاون مع أعداء الأمة، ومحاربة الدعاة والمصلحين، وتوظيف الإعلام والمناهج الدراسية لصناعة القابلية للاستعباد لغير الله، وتجريد الأمة من هويتها.
وفي مواجهة هذا التحدي تأتي أهمية تربية الأبناء على التوحيد والعزة والكرامة والاعتداد بالذات مع احترام الجماعة والإيمان بقيم الشورى والحرية والعدالة والمساواة والتجديد والإبداع والأمل، ورفض المساومة على التوحيد والقيم والأخلاق والمبادئ.
ويجب أن تبدأ هذه التربية من الأسرة من المهد إلى اللحد؛ فقد روى الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: 'افتحوا على صبيانكم أول كلمة لا إله إلا الله، ولقنوهم عند الموت لا إله إلا الله'. والتربية على شهادة التوحيد ليست مجرد تربية نظرية ولا كلمات تقال باللسان لا تؤثر في السلوك ولا تهتز لها المشاعر، فالتربية على التوحيد هي تربية تعظيم الله وإفراده بالتعظيم، وبالخوف والرجاء والتوكل والرزق، فكل معاني التوحيد لا ينبغي أن تنصرف لغير الله.
وفي سبيل تأدية هذا الواجب في تعبيد أطفالنا لله وتحريرهم من جميع مظاهر العبودية للبشر فإن أول وسيلة لتحقيق هذه التربية هي أن نكون قدوة لأبنائنا في تعظيمنا لله، وتوكلنا على الله وحده، والإيمان بأن الله هو الرازق، وأن على العبد فقط بذل الأسباب، وعدم الخوف من غير الله، والعمل على تربية أبنائنا على تعظيم الله، ومعاني كلمة الله أكبر، ولا إله إلا الله، وأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، وأن من ابتغى العزة بغير الله فقد ذل.
ويجب أن تتطابق هذه التربية مع الحرص على التربية على الحرية والشورى وعدم السكوت على الظلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتنمية قوة الشخصية عند الأطفال، وتعويدهم عدم التذلل لغير الله وأن الخضوع لله يستلزم عدم الخضوع لغير الله.