الخضوع للعبودية يعكس حالة من الشعور باحتقار الذات، وفي المقابل ترتبط أنفة الأحرار بالإحساس بالكرامة واحترام الذات، وعلى المستوى الاجتماعي فإن الشعوب التي يتمتع أفرادها بقدر كبير من احترام الذات شعوب عصية على الاستبداد، وترفض الخضوع لمنطق التسلط والإذلال، ولا تقبل الضيم، ولا تسمح بالعبث بهويتها ومقدراتها ومقدساتها، ولهذا فإن الأنظمة القمعية تمعن في إذلال مواطنيها لتفقدهم حاسة الشعور بالكرامة والعزة والأنفة، ولتوليد القابلية للخضوع.
وكما يرتبط احترام الذات بعدم القابلية للاستعباد الاجتماعي والسياسي، فإنه يرتبط كذلك بالسمو النفسي ومكارم الأخلاق، والترفع عن السقوط والانحلال، وهذا ما فهمته المرأة العربية قبل الإسلام، كما تؤكد عبارة 'أَوَتَزني الحرة؟'، التي وردت في بيعة النساء، فالفرد الذي يحترم ذاته، ذكراً كان أو أنثى، لا يلطخها في أوحال الانحلال، ويترفع عن السفاسف وينشد الكمال الإنساني.
تدرك الأنظمة القمعية خطورة انتشار ثقافة احترام الذات في صفوف المجتمع، وانعكاسات هذه الثقافة في رفض الخضوع للاستبداد، ورفض البقاء في مناخ سياسي تشيع فيه انتهاكات حقوق الإنسان، ويفتقر إلى الحريات الحقيقية الضامنة للحريات والحقوق السياسية، وتعمد هذه الأنظمة القمعية الفاشية إلى تدجين المجتمع وإطلاق العنان للشهوات والغرائز السفلى لإشغال الناس بالمستويات السفلى من الغرائز عن المستويات السامية والمطالب الأخلاقية التي يحقق من خلالها الأحرار سر وجودهم واحترامهم لذواتهم، ويعملون على تحقيقهم الذات من خلال المشاركة الفاعلة في تقرير مصيرهم وصناعة مستقبلهم، والتمتع بحرية الرأي وحرية المعارضة، واتخاذ القرارات المتعلقة بالشأن العام ومصالح الأمة.
من أهم الأهداف التربوية التي يجب أن ينشغل بها الأحرار في كل مجتمع تربية الأفراد على احترام الذات، ورفض سياسة التهجين وإلهاء وإشغال الناس بالحاجات الدنيا عن الحاجات العليا، لأن احترام الذات وتحقيقها يقع في سلم الحاجات الإنسانية، كما تؤكد ذلك نظرية الحاجات في (هرم ماسلو)، الذي يتكون من خمس حاجات هي: الحاجات الفيسيولوجية، والحاجة إلى الأمن، والحاجة إلى الحب والانتماء، والحاجة الى تقدير الذات، والحاجة الى تحقيق الذات.
والأنظمة القمعية تشغل الناس بالحاجات الدنيا، التي تتمثل في الحاجة الفيسيولوجية التي تشمل الغذاء والجنس والتوزان النفسي ونحو ذلك، أو الحاجة إلى الأمن الجسدي والصحي والاقتصادي والوظيفي، وتعمل على مقايضة المواطن بهذه الحاجات للتنازل عن الحاجات السامية؛ كالحاجة إلى الانتماء والإحساس بالهوية، والحاجة إلى احترام الذات، والحاجة إلى تقدير الذات.
انطلاقاً من أهمية التربية على احترام الذات فإن الواجب يفرض أن تبدأ هذه التربية من مؤسسة الأسرة باعتبارها اللبنة الأولى في المجتمع، والمؤسسة التي لا تخضع لمؤثرات التدجين، وتشكل المرحلة الأولى لتشكيل عقلية الطفل وإحساسه بهويته ووجوده، والتربية على احترام الذات تستوجب التخلي عن أنماط التسلطية في التربية، والاهتمام بالاستماع إلى الأطفال، وتفهم مطالبهم، والحوار معهم من أجل تعديل أي سلوكيات نرى أنها غير صحيحة، والعمل على تعزيز استقلاليتهم، وتشجيعهم على المبادرة، وتربيتهم على رفض الخضوع لأي مظهر من مظاهر التنمر، والاعتزاز بشخصياتهم، مع التواضع والاحترام للآخرين.