عندما نتحدث عن الصحة النفسية والدعم النفسي وأهمية السواء النفسي فإن هذا الحديث سيأخذ الطابع العمومي الفضاض ما لم يتم تحديد محددات قياسية نقيس من خلال مدى اقترابنا أو ابتعادنا عن المستويات المعيارية للنفسة السوية.
ومع أن معايير السواء النفسي تحاول أن تأخذ الصبغة العالمية إلا أن أي معايير تتعلق بالظاهرة البشرية تظل معايير نسبية وسنحاول تلخيص بعض محددات السواء النفسي منطلقين من هداية الرؤية القرآنية والتي تتوافق معها هداية التجربة البشرية.
ونوجز هذه المحددات فيما يلي:
1- الاتساق مع الفطرة: فإن كان الله قد أودع الإنسان نوازع الخير والشر في وقت واحد فقد فطره في نفس الوقت على تمييز الخير من الشر والقدرة على التغلب على نوازع الشر والانتصار للخير. فاتساق السلوك مع الفطرة من علامات السواء النفسي.
2- الاستقامة على الصراط المستقيم: في كل صلاة يطلب المؤمن هدايته إلى الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم برضوانه وأنزل السكينة على قلوبهم، فالاستقامة على الصراط المستقيم هي مؤشر السير في طريق السواء النفسي والتخلص من الحزن والاضطرابات النفسية قال تعالى'إنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ'
3- الإيجابية والفاعلية: وقد ربط القرآن الكريم بين الفاعلية والاستقامة على صراط السواء النفسي المستقيم وبين الفعل الإنساني الإيجابي في النضال من أجل العدالة قال تعالى'وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَم لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ'.
4- الابتعاد عن المشتتات الذهنيةو الملهيات والتركيز على المسار الواحد السليم: وقد ربط القرآن الكريم بين التركيز على الصراط المستقيم والابتعاد عن السبل المشتتة في قوله تعالى'وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ'.
5- التواضع والواقعية: طالبنا القرآن باستثمار جميع طاقاتنا في الفعل الإيجابي وفي نفس الوقت طالبنا بالتواضع والواقعية قال تعالى'وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ ولَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً'