لو تأملنا في كثير من مظاهر الشقاء النفسي التي يعيشها الكثير من الناس، وفي حالات الغفلة والقسوة والتبلد الإنساني عند بعض من أنعم الله عليهم بمتاع الدنيا لوجدنا أن الجامع المشترك هو نسيان الله وعدم اللجوء إليه في حالات الشدة، ونسيان فضله في حالات الرخاء فمن نسى الله في حالة الشدة يغرق في جحيم الأزمات النفسية ومن نسي الله في الرخاء يتيه في ظلمات الغفلة ويرتع من الشهوات حتى يفقد حريته ويصبح عبداً لأهوائه وينصرف قلبه عن فعل الخير وعن سلوك درب السعادة الحقيقية ويصبح من الفاسقين عن أمر ربه يقول سبحانه وتعالى 'ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون' ويفسر ابن القيم الجوزية إنساء الله للغافل نفسه بقوله' وأما إنساؤه نفسه، فهو : إنساؤه لحظوظها العالية ، وأسباب سعادتها وفلاحها ، وإصلاحها ، وما تكمل به بنسيه ذلك كله جميعه فلا يخطر بباله ، ولا يجعله على ذكره ، ولا يصرف إليه همته فيرغب فيه ، فإنه لا يمر بباله حتى يقصده ويؤثره وأيضا فينسيه عيوب نفسه ونقصها وآفاتها ، فلا يخطر بباله إزالتها، وأيضا فينسيه أمراض نفسه وقلبه وآلامها ، فلا يخطر بقلبه مداواتها ، ولا السعي في إزالة عللها وأمراضها'.
ولهذا لا يجب أن نستغرب من إعراض البعض عن أسباب الصلاح وانكبابهم على الدنيا وعزوفهم عن الآخرة فقد طمست المعصية بصيرتهم وران على قلوبهم ما كانوا يكسبون، ونسوا ذكر الله فأنساهم أنفسهم، وما أحوجنا إلى ذكر الله والتذكير به لنحافظ على بصيرة الإيمان التي ترشدنا إلى طريق السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة. فمن نسي الله في الدنيا أنساه طريق الخير في الدنيا ونسيه في الآخرة ويقال له يوم القيامة' كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى'.
نسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.