تمر على الأمة فتن مدلهمة يعتقد البعض أنها شرٌ محض، والحقيقة أن هذه الكوارث مرتبطة بسنن إلهية، فلو كانت الجولة دائماً في صف الحق لما تحقق الغرض من الابتلاء والاختبار الذي لا يتحقق إلا في الظروف العصبة التي تظهر فيها معادن الرجال.
ولهذا يقلب الله لنا الأحوال ولا يذر المؤمنين على حال واحد' مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ' فقد اختص الله نفسه بعلم الغيب ولا يكشف لنا حقيقة المؤمنين الصادقين والمنافقين إلا من خلال المحن والمواقف الصعبة التي تفرز الفريقين.
قال شيخ المفسرين الإمام الطبري في تفسير الآية ' ما كان الله ليدع المؤمنين على ما أنتم عليه من التباس المؤمن منكم بالمنافق، فلا يعرف هذا من هذا حتى يميز الخبيث وهو المنافق من الطيب بالمحن والاختبار' فكل جولة يزهو فيها الباطل بالنصر إنما هي ابتلاء وتمحيص للأمة ليفرق الناس بين المخلصين والصادقين في البأساء والضراء، وبين من يدورن مع مصالحهم حيث دارت.
ولهذا فإن أي جولة يكسبها الظالمون لا تعني أن الله يحب الظلم والظالمين، ولكن شاءت إرادته أن ينتصر الظلم في بعض الجولات حتى يدرك الناس الفرق بين التدين الحقيقي القائم على التضحية والصبر وبين التدين الفردي الذي يؤثر السلامة ويتنكر لقضايا الأمة والمرابطة في سبيل الله والمستضعفين وكأن الأمر لا يعنيه قال تعالى' إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ. وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ'.