الفلاح الحقيقي في هذه الحياة مرتبط بقرار داخلي يخصنا نحن أنفسنا ونتحكم به نحن، إنه يتعلق بالأمانة التي استودعنا الله إياها يوم فطر السموات والأرض وأودعنا أمانة التكليف المرتبطة بحرية الاختيار.
ولا يكتمل الامتحان القائم على حرية الاختيار إلا بالاستعدادات المزدوجة التي اودعها الله في الإنسان للخير وللشر معاً 'ونفس وما سواهـا، فألهمها فجورها وتقواها' فقد أودع الله فينا رغبات ونزوات وشهوات وميول للطغيان والاستعلاء في الأرض وفي نفس الوقت أودع فينا الفطرة السليمة التي تعرف الحق وتعشقه وتحب الخير وتكره الظلم والفسوق والعدوان.
وشخصية الإنسان ومستقبله يتحدد باختياره، فإما أن ينتصر على غرائز الشر في نفسه ويهذب رغباته ويتحرر من العبودية لشهواته، ويسمو بأخلاقه وإيمانه فيفوز بفلاح الدنيا والآخرة و' قد أفلح من زكاها' وإما أن ينتكس في أوحال العبودية للشهوات، وتتحكم به غرائز الاستعلاء والتسلط والنزوع إلى البغي والعدوان، ويقع في حبائل الشيطان الذي يزين له خيانة قضايا المسلمين والتعاون مع المعتدين والركون إلى الظالمين والانهماك في الشهوات وإضاعة الواجبات فيكون من الخاسرين 'الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا' لأنهم أهكلوا أنفسهم حين تركوها ترتع في مراعي الظلم والمحرمات والبغي 'وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا'
نسأل الله أن يأتي أنفسنا تقواها وأن يعيننا على تزكية أنفسنا أنه خير من يزكيها وأن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه.