رغم أن التطبيع مع المجرمين والعنصريين كله رجس ودناءة وحقارة، إلا أن التطبيع مراتب والخيانة درجات، فثمة من يطبع مع الصهاينة بطرق سرية ولا يجاهر بفاحشة التطبيع وهذا على الأقل يحافظ على الوعي الجمعي بتجريم التطبيع، وثمة يطبع تحت ضغوط الفقر والحاجة المادية نتيجة استحكام التبعية الاقتصادية والسياسية في بنية النظام السياسي، ويتعامل مع التطبيع كمن يأكل لحم الخنزير ويخجل من التبرير العلني للتطبيع، وثمة من يطبع لخوفه على كرسي الحكم لأنه يعرف أن شرعية بقائه لا تعتمد على شرعية شعبية ديمقراطية حقيقية ولكنها تعتمد على الدعم الأمريكي لوجوده في السلطة ومع ذلك لا يظهر العداء للقضية الفلسطينية ويحاول تبرير التطبيع بالتكتيك ولا يسمح لمواطنيه بالتواصل المباشر مع الصهاينة، ومن ثمة من يتجاوز كل الحدود و يصل إلى ذروة الفجور في التعاون مع المغتصبين وخيانة قضايا العرب والمسلمين، مع التآمر العلني على تصفية القضية الفلسطينية، ومحاولة توطين قواعد عسكرية ومخابراتية للصهاينة في مناطق أخرى في الوطن العربي، والتعاون الشامل مع الصهاينة لمحاربة الهوية الإسلامية وفتح نوافذ الاختراق الثقافي لإلقاء المودة إلى قتلة الأطفال والنساء ومغتصبي الديار والمقدسات، ويشجع على هذا الاختراق ويقوم برعايته ومحاولة غسيل الدماغ للأجيال القادمة وتغييب قضية الأقصى وتصوير الصهيوني بأنه نموذج للإنسان المتفوق وتكريس عقدة النقص تجاه الصهاينة، فهذا المستوى من التطبيع يجب أن يسجل في موسوعة خاصة للخيانات ويدرس للأجيال القادمة لمعرفة كيف تكون الهزيمة من الداخل وكيف كان خطباء السوء يبررون هذا الانبطاح وهذه الخيانات وتسويقها بأنه مجرد صلح مع الأعداء أو هدنة كبرت كلمة تخرج من أفواههم.
بقي أن نقول لمن طبّع أنه حين انبطحت للعدو كل هذا الانبطاح، جاءك برحلة جوية تحمل إيحاءات لتمكين الذل منك بعد تقديم تنازلاتك المشينة، فقد جاءك بطائرة سُمِّيَت باسم إحدى المستوطنات التي اغتصبها و هجّر أهلها بعد ما عاهدهم بأن لهم الأمان، و اخترق أجواء الحرمين بعد أن كانت محرمة عليه، فلك أن تعرف ما هي استراتيجيته معك بعد تطبيعك و تخاذلك المشين.