جاء الإسلام لتتميم مكارم الأخلاق الإنسانية ومصداقاً لما بين يديه من رسالات السماء وموجباً للإيمان بجميع الأنبياء السابقين، ومع ذلك فقد شاءت إرادة الله أن تتميز هذه الأمة برسالتها العالمية وقيمها الحضارية وثقافتها الوسطية لتكون شاهدة على جميع الأمم “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً'.وهذا الشهود الحضاري يتحقق بالتميز الحضاري والذي تشكل بالتدريج حتى اكتمل بنيانه بإعلان اكتمال الدين في يوم عرفة الأخير.
و قد جارى المسلمون في بداية الدعوة أهل الكتاب في بعض الأشياء حتى جاء الإذن بالتميز ومن ذلك استقبال القبلة الأولى قبل أن يأذن الله بتغيير مسار القبلة 'فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ' وفي يوم عاشوراء كان العرب يصومون هذا اليوم كما كان يصومه اليهود فصامه النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً وأمر بصيامه على سبيل الاستحباب وبعد فتح مكة طلب من المسلمين أن يصوموا يوماً قبله ويوماُ بعده لتحقيق بعض التميز في احتفاء المسلمين في ذكرى نجاة نبي الله موسى وروى أحمد بن حنبل حديثاً مرفوعاً' صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود، صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده'.
وهكذا يعلمنا الإسلام الانفتاح على الهويات الأخرى واستيعاب الجديد والمفيد في ثقافتنا وفقاً لمعاييرنا الحضارية وخصوصياتنا الثقافية، وأن نضفي عليها طابعنا الخاص والمميز ولا سيما ما يتصل بالشعائر وأحكام الحلال والحرام فهذه الهوية صبغة الله لهذه الأمة 'ومَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبْغَةً ۖ وَنَحْنُ لَهُۥ عَٰبِدُونَ'