الهجرة بجميع أنواعها ليست حدثاً منقطع بل تكليف متجدد إلى يوم القيامة وحديث 'لا هجرة بعد الفتح' خاص بأهل مكة لأن تكليف الهجرة من بيئة القمع الشديد وتكميم الأفواه وتعطيل الطاقات ما يزال مفتوح بنص الحديث'لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تخرج الشمس من مغربها' وبنص القرآن الكريم'إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ، قالوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا'.
وقد وعد الله المهاجرين في سبيله بالخاتمة الحسنة في الحياة الدينا والأجر العظيم في الآخرة'وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ * الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ'.
وبعد فتح مكة انتفت الظروف القاهرة التي كانت تفرض الهجرة على مجتمع المؤمنين الأول، واستمر تكليف الهجرة المعنوية ونعني بها الهجرة القلبية إلى الله والتي يجب أن يستحضرها المسلم في كل لحظة من حياته فنحن في هجرة دائمة إلى الله وإنا من الله وإنا إليه راجعون، وحياتناكلها في سبيل الله.
والهجرة القلبية تتمثل بهجرة التوحيد لجميع مظاهر الشرك وقد أمرنا الله بهذه الهجرة في قوله تعالى'وَالرُّجْزَ فَاهْجُر' والمسلم في حرب مستمرة مع جميع الأصنام المادية والبشرية التي تحاول إجباره على الشرك بالله بطرق مختلفة واتخاذ بعض البشر أرباباً من دون الله فيعتقد أن الرزق والمنفعة والضر بأيديهم.
وتتمثل الهجرة القلبية إلى الله أيضا بهجرة إلى الطاعة واجتناب المعاصي كما حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الهجرة في الحديث الصحيح 'المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه'.
وما أجدرنا في بداية السنة الهجرية بإعلان الهجرة القلبية إلى الله بهجران الرجز من الأوثان المادية والبشرية وهجران جميع أنواع المعاصي نسأل الله أن يجعلنا من المهاجرين إليه بجوراحهم وقلوبهم وأن يبوئنا في الدنيا حسنة وفي الأخرى حسنة.