حب الثناء الحسن غريزة فطرية وهو حب مشروع إذا جاء هذا الثناء بصورة عرضية، ولم يكن هدفاً بحد ذاته ولكن جاء نتيجةً لتسخير العبد حياته في سبيل الله ، وفي سبيل خدمة دعوته ودينه ومجتمعه، وجهوده في استعمار الأرض بالأعمال الصالحة ابتغاء مرضاة الله وحده، وهذا الصنف ممن ينطبق عليهم قوله تعالى'إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ '.
ولكن هذه الغريزة مثل جميع الغرائز سلاح ذو حدين، وعندما تتحول إلى هدف معبود، تتحول الذات إلى صنم يقدسه الإنسان من حيث لا يشعر، ويتحول الإعجاب بالذات إلى غول يتخطف الكثير من الصالحين و يسبب الكثير من الانتكاسات عن طريق الحق وطريق الدعوة والجميع عرضة للسقوط في هذا الانحراف الذي بدأت قصته مع بداية الخلق يوم طلب الله من الملائكة أن يسجد لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر'قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ'.
فمن ابتغى وجه الله وحده لم يشرك بعبادة ربه أحدا فأكرمه الله بتخليد ذكره فذلك من فضل الله'وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ' ويدخل في ذلك إظهار العمل للآخرين لغرض الدعوة وتجسيد القدوة الحسنة وطلب الثناء الحسن بعد الموت'واجعل لي لسان صدق في الآخرين'.
وأما من جعل الشهرة هدفه وغايته، وأحب أن يحمده الناس بما فعل وما لم يفعل، وتحول طلب الثناء الحسن إلى غاية، فقد أبطل عمله بفساد نيته، وجعل من نفسه ألعوبة في يد إبليس يزين له الحسد والكبر والإعجاب بالرأي ، واحتقار إخوانه وطلب العلو في الأرض متجاهلا قوله تعالى'تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين' وقول الحق عز وجل ' إن الله لا يحب كل مختال فخور'.
ويتحول حب الظهور عند هذا الصنف إلى حالة مرضية، ومن ابتلى بهذا الوباء لا يستطيع أن يعمل للدعوة إلا عندما يتم تسليط الأضواء عليه، ويتثاقل عن أداء الأعمال التي بينه وبين الله وتتحول الشهرة عند هذا الصنف إلى مرض نفسي يؤدي إلى الاكتئاب عند خفوت بريق الشهرة وفي مقال قادم بإذن الله نتناول مشكلة عبادة الشهرة في عصر مواقع التواصل.