تبدأ بعد الغد أيام الحج الرسمية بيوم التروية، وفي أيام الحج لا تقتصر مشاعر الحج وممارساته على من وفقهم الله لأداء هذه المناسك فقلوب جميع المسلمين تشرئب إلى أول بيت وضع للناس، وتعيش مع الحجاج لحظة بلحظة، وتهتف معهم بهتاف التلبية، والشوق يحدوهم إلى لقاء الله وأداء المشاعر بالجوارح والأشواق. وهذا هو حج القلوب إلى الله الذي أشار إليه ابن رجب الحنبلي في قوله رحمه الله' من فاته هذا العام المقام بعرفة، فليقم بحقه الذي عرفه. ومن عجز عن المبيت بمزدلفة، فليبيت عزمه على طاعة الله وقد قربه وأزلفه. من لم يقدر على نحر هديه بمنى، فليذبح هواه هنا، وقد بلغ المنى. إن حُبستم العام عن الحج فارجعوا إلى جهاد النفوس،ومن كان قد بعد عن حرم الله فلا يبعد نفسه بالذنوب عن رحمة الله، فإن رحمة الله قريب ممن تاب إليه واستغفر، ومن عجز عن حج البيت أو البيت منه بعيد، فليقصد رب البيت، فإنه ممن دعاه ورجاه، أقرب إليه من حبل الوريد'.
فما أحوجنا إلى الحج إلى الله بقلوبنا ومشاعرنا، وما أجمل العيش في معية الله وما أحلى الحياة في سبيل الله، وما أروع الشوق والهيام في ذات الله، وما أسعد الطائعين بالطاعة وأتعس العصاة بالمعصية إلا من تاب وأناب نسأل الله أن يجعلنا من التائبين المنيبين، وأن يتقبلنا في الصالحين.