من العبارات التربوية الجميلة للشيخ محمد الغزالي رحمه الله'لا أدري لماذا لا يطير العباد إلى ربِّهم على أجنحةٍ من الشوق بدل أن يُساقوا إليه بسياط من الرهبة ؟'.
إنَّ الجهل بالله وبدينه هو عِلَّةُ هذا الشعور البارد ، أو هذا الشعور النافر - بالتعبير الصحيح ؛ مع أنَّ البشر لن يجدوا أبرَّ بهم ولا أحنَ عليهم من الله عز وجل'.
وجدير بنا أن نجعل من هذا السؤال منهجاً لتربية أنفسنا، وتربية عصافيرنا الصغار على الطيران إلى الله بأجنحة الحب، بدلاً من محاولة سياقتهم إلى الله تحت سياط التخويف ولا سيما وهم في مرحلة عمرية لا تتحمل الخطأ الذي يرتكبه الوالدان بالتركيز على تخويف الأطفال من الله في مرحلة عمرية حرجة بدلاً من غرس محبة الله في نفوسهم.
وإذا كانت تربية النفس على حب الله واجبة على الكبار، كما يعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم في تربية نفسه على هذا الحب وهو يدعو'اللهم اجعل حُبك أحب إلىَّ مِن نفسي، وأهلي، ومالي، وولدي، ومن الماء البارد على الظمأ' فإن غرس هذه التربية في نفوس الصغار أنسب و أسهل وأعمق لأن حاجة الأطفال إلى الحب حاجة فطرية، وضرورة نفسية،لاكتمال نموهم وشعورهم بالطمأنينة.
وعندما نغرس حب الله في نفوس الصغار يتحقق هذا الإشباع لغريزة البحث عن الحب، ويجد هذا الغرس القابلية ويحقق للطفل الشعور بالأمان ، فيلوذ بالله كلما أدلهم به أمر أو واجهته مشكلة، وهو يستشعر عاطفة وجدانية فياضة تساعده على السباحة في ملكوت الله وتنمي قدراته على التأمل والحياة الوجدانية في معية الله.
ويكون لهذه العاطفة أثرها الكبير على مستقبل الطفل الإيماني، وتعلقه بالعبادة.
وعندما ننجح في تربية الأطفال على محبة الله فإننا نغرس في نفوسهم الحافز الداخلي على العبادة والطاعة والحياء من الله، فإذا استشعر الأطفال حب الله وشعروا بالحياء منه ستدفعهم عاطفة الحب والحياء على الإقبال على الطاعات مع الإحساس بالتواصل العاطفي مع قوة عظمى تبادلهم نفس المشاعر وتغمرهم بالرحمة والمغفرة'قُل إن كُنتم تحبون اللهَ فاتبعوني يُحِببْكُم اللهُ ، ويَغفر لكم ذنوبَكم ، واللهُ غفورٌ رحيم'.
فيكف نزرع أجنحة حب الله في نفوس عصافيرنا، حتى تنطلق في آفاق المحبة السامية وترتع في رياض الصالحين وتنهل من مشكاة الهداية؟
أساليب التربية الوجدانية في تنمية حب الله متعددة، فمنها تحفيظهم آيات الترغيب والآيات الدالة على نعم الله، وتأجيل آيات التخويف إلى مرحلة متأخرة، ونبين هنا خطأ تربوي تقع فيه مؤسسات التحفيظ بتحفيظ الأطفال السور الصغيرة باعتبارها أكثر تناسباُ مع سنهم، مع أنه يمكن اختيار مقاطع الترغيب من السور الكبيرة،لأن أغلب السور الصغيرة تتضمن رسائل وعيد قوية وزاجرة ومكثفة موجهة للكبار.
ومن أساليب زراعة محبة الله في قلوب الصغار الأناشيد الدينية، ومن المهم اختيار كلمات الأناشيد التي تغرس محبة الله بعناية على منوال هذه الأنشودة مثلاً: 'تسبح روحي بحمدك، ويلهج ثغـــري بذكرك، إلهي فهب لي ضياءً يضيء فــؤادي بحــبك،أنا مـــن أنا يا إلهي سوى ذرة في رحـــابك'
ومن أهم وسائل تربية الأطفال على محبة الله أن يجسد الوالدين القدوة الحسنة في حبهما لله والتعلق به والتعبير عن هذا الحب أمام الأطفال وتعليله لهم بنعم الله التي لا تعد ولا تحصى وأن الله هو الخالق والرازق وإليه المصير.
ومن وسائل التربية على محبة الله التربية بالوسائل الملموسة التي يفهم الأطفال الحب العاطفي ،من خلالها مثل: غمر الأطفال بالحب وإشعارهم أن الله هو الذي أمرنا أن نحبهم، والتعبير عن حبنا لأطفالنا بأكثر من طريقة، كالتربيت عليهم وتحفيزهم بالكلمات الإيجابية ومنحهم الهدايا.
وأن نقوم بخدمتهم مع الحرص على عدم إشعارهم أثناء خدمتنا لهم بالنفور والضيق وكأننا نقوم بإسقاط واجب ليس إلا، فالأطفال يفهمون هذه الرسائل السلبية التي لا ينتبه لها البعض.
ولا نعني التربية بالحب التدليل الزائد وإعطائهم كل ما يريدون بل نعني الحرص حتى عند منع الطفل من تصرف ما أو رفضنا لإعطائه شيء ما أن نبرر له ذلك وأن نؤكد له أننا نفعل ذلك حباً له ومن أجل مصلحته.
ومن وسائل تنمية محبة الله عند الطفل تعويد الأطفال على الاستعانة بالله في كل أمورهم، ومن الوسائل المعينة على ذلك ترديد الأذكار اليومية المرتبطة بجميع تصرفات الحياة. ونختم هنا بالإشارة إلى أنه عندما يعيش الوالدان أنفسهما عاطفة حب الله في حياتهما بصورة عميقة وصحيحة فإنهما سيجدان ألف طريق وطريق ليعكسان هذه العاطفة التي تغمرهما على الأطفال نسأل الله أن يرزقنا حبه وحب من يحبه وحب الحب الذي يقربنا إلى حبه.