من التحديات الأخلاقية والتربوية الجديدة التي تفرضها علينا البيئة الرقمية التي نعيشها وتتنامى بوتيرة عالية، الظواهر الأخلاقية والسلوكيات الغريبة التي تؤكد مصداقية النظريات الإعلامية حول عدم حيادية الوسيط الإعلامي، وأن الوسيط يحمل ثقافته الغالبة، رغم اعتقادنا بإمكانية استخدامه في خدمة ثقافتنا.
فالكثير من تطبيقات التعارف والتواصل البصرية والسمعية والنصية تستميل عواطفنا بطرق خفية وتخاطب جميع الغرائز، وتدفع المشاركين لخوض مغامرات على سبيل التجريب، ولكن هذه التجارب تستدرجهم بإغراءات كثيرة منها الشهرة والولع بالاعجابات وعدد الزيارات، والربح المادي الذي يترتب على كل ذلك.
وتستدرج هذه التطبيقات الشباب الباحث عن الشهرة والربح إلى ممارسة أنماط سلوكية غريبة وشاذة تغير مجرى حياتهم من حيث لا يشعرون، ويصبحون مجبرون على إضحاك الآخرين بارتكاب الحماقات، والأفعال الجنونية أو حتى ارتكاب الفضائح والسلوكيات المنحرفة.
ومع أن صناعة التفاهة لا تقتصر على تطبيقات التواصل، فقد شاهدنا في رمضان الكثير من البرامج التلفزيونية السخيفة التي تسير على منوال صناعة النجومية على حساب القيم والأخلاق والذوق الرفيع والمعايير الفنية والجمالية الراقية.
ويعتقد صاحب كتاب نظام التفاهة المفكر الكندي آلن دونو أن التفاهة التي تحاصر حياتنا اليوم ليست بريئة فهي نتاج سياسات تهدف إلى تسطيح الوعي ومحاربة الجدية واحتقار القيم الأخلاقية والروحية وخدمة مشاريع الهيمنة والاستبداد والتبعية والاستعمار.
والمشكلة أن المؤسسات التربوية لا تقوم حتى الآن بأدنى واجباتها تجاه حماية الجيل من هذه التفاهة المتوغلة وتزويدهم بالثقافة النقدية القادرة على كشف أهداف المتلاعبين بالعقول والأوقات والطاقات.