تمر علينا هذا اليوم ذكرى عطرة، ذكرى أول جولة في تاريخنا الإسلامي من جولات الصراع بين الحق والباطل بعد أن أذن الله للمستضعفين بالتصدي للظلم ومقارعة المستكبرين 'أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ'
ومن هذا اليوم بدأت سنَّة المدافعة بين الحق والباطل' وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ' بدأت بعد أن تأهل المسلمون لخوض هذه الجولة من الصراع بالتزكية والتربية والهجرة والصبر والأخوة والتضحية والتنظيم الجديد في مجتمع جديد قاموا ببنائه على قاعدة التقوى، فمعركة بدر بقدر ما هي بداية لمرحلة جديدة من مراحل المواجهة فقد كانت امتداداً للمرحلة السابقة من الإعداد بالتربية والصبر والخروج من الديار بغير حق وبدون جريمة إلا جريمة القول ' ربنا الله' بعد أن قرر الطغيان أن يصادر حرية هذا القول وحرية العقيدة وهي من أقدس الحريات، وكان لابد أن تبدأ رحلة النضال من أجل الحرية.
وفي غزوة بدر نتذكر درساً من أهم الدروس التي ضيعتها الأمة اليوم وهو درس الشورى ولو في الظروف الطارئة، فإذا كان البعض يستغل الأزمات والظروف الصعبة ليعلن حالة الطوارئ ويصادر الحريات ويفرض إرادة واحدة على الأمة فقد أصر النبي صلى الله عليه وسلم على تطبيق مبدأ الشورى في أحلك الظروف وأصعب المواقف حين جمع أصحابه قبل الحرب وأعلن تدشين مرحلة الشورى بالتزامن مع الجهاد ' أشيروا عليّ أيها الناس'.
لن نستطيع استيفاء دروس غزوة بدر في هذه التطوافة السريعة، ونكتفي هنا بدعوتكم للتأمل في هذا اليوم بالدروس الحضارية التي تضمنتها هذه السورة ، ونتذكر هويتنا ومبدأ الصراع والمدافعة مع الباطل ونجدد العهد في هذا الطريق طريق مدافعة الطغيان والظلم والنضال من أجل حرية العقيدة والله غالب على أمره ولو كره الظالمون.