كما ابتدأ الشهر المبارك في يوم جمعة مبارك، ها هو ينتصف اليوم في يوم جمعة مبارك. وجدير بنا أن نقف في منتصف هذه المحطة السنوية محطة تقييم وتقويم، وأن نسأل أنفسنا عن مدى تأثير هذه المحطة المباركة في حياتنا، و حصيلتنا من التزكية و التقوى، لكي نسأل الله الثبات على الجادة إذا كنا من أهل الطاعة وممن شعر بزيادة منسوب التقوى في حياته في هذا الشهر.
ولكي نبادر إلى تصحيح المسار إذا كنّا ممن لم يلمس أي تغيير في نفسه وما أجدرنا بالتوقف في منتصف رمضان مع هذه الموعظة العظيمة النفع والجليلة القدر التي كتبها الإمام أبو الفرج الجوزي في كتابه التبصرة حول هذه المناسبة يقول رحمه الله ' ذهب نِصفُ البضاعة، في التَّفريط والإضاعة، والتَّسويفُ يمحق ساعةً بعد ساعةٍ، والشَّمسُ والقمرُ بِحُسبان، شهرُ رمضان الذي أُنزلَ فيه القُرآن- يا واقفًا في مقامِ التَّحيُّر: هل أنتَ على عزمِ التغيُّر؟!- إلى متى ترضى بالنُّزول في منزل الهَوان؟'.
مضى النصف من رمضان والبعض منشغل بالترويج لأحاديث مكذوبة عن صيحة النصف من رمضان، والجميع غافل عن الصيحة الحقيقية في هذا النصف، إنها صيحة حركة الزمن في النفس الغافلة للإفاقة من غيبوبة الغفلة والتقصير في النصف الأول والمبادرة إلى التشمير في النصف الثاني.
صيحة محاسبة النفس على التفريط في جنب الله فيما مضى من أيام مباركة لم يتم استثمارها في الطاعات وفي تزكية النفس فأي خسارة وأي مصيبة تحيق بالإنسان عندما تفوته هذه المواسم ويخرج منها خالي الوفاض.
فما أجدرنا أن نسأل أنفسنا هل كنا في النصف الذي مضى ممن يزكون أنفسهم بتلاوة آيات كتاب الله وتدبر آياته وإقامة الصلاة فريضة ونافلة والإنفاق في سبيل الله' إِنَّ الَّذِينَ يَتلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقنَاهُم سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرجُونَ تِجَارَةً لَن تَبُورَ '.
جاءت صيحة النصف من رمضان وأحوال العباد تختلف ' فَمِنهُم ظَالِمٌ لِنَفسِهِ وَمِنهُم مُقتَصِدٌ وَمِنهُم سَابِقٌ بِالخَيرَاتِ بِإِذنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الفَضلُ الكَبِيرُ' نسأل الله أن يثبت السابقين بالخيرات، وأن يعين الظالمين لأنفسهم والمقتصدين على التوبة والمراجعة، فلم يفت الأوان بعد فما يزال أمامنا النصف الآخر والأهم وفيه العشر الأواخر و الفضل العظيم.
نسأل الله أن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه والعاقبة للتقوى.