تحدثنا في المقالات السابقة عن كيفية تجسيد التقوى في حياتنا الاجتماعية والسياسية. وفي مقال اليوم نتطرق لتأثير التقوى في حياتنا الاقتصادية ونبدأ من قوله تعالى'وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ' فالآية الكريمة تربط تحقيق الرخاء الاقتصادي الحقيقي بتحقيق التقوى في حياتنا، وأي رخاء اقتصادي لا يقوم على مبادئ التقوى يتحول إلى ابتلاء واستدراج يوقع أصحابه في أوحال الفسوق المقترن بثقافة الترف المتحللة من قيم التقوى، ويتحول إلى وبال على صاحبه.
وتتحقق التقوى في حياتنا الاقتصادية في صورة متعددة منها: التوازن الاقتصادي بين الإنفاق والإمساك والذي أكدت عليه آيات قرآنية كثيرة منها قوله تعالى'وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً' وقوله 'وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً' وجاء في وصف عباد الرحمن المتقين 'وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً'.
والصيام في شهر رمضان يعلمنا هذا التوازن بواسطة تربيتنا على التحكم برغباتنا، مع أن العادات السيئة تتغلب أحياناً على المقاصد ويتحول هذا الشهر إلى شهر للإسراف عند البعض.
ومن وسائل تحقيق التقوى في حياتنا الاقتصادية الابتعاد عن الغش التجاري بكل مظاهره، وعن الاحتكار والحرص على توثيق المعاملات المالية والتجارية بصيغ قانونية واضحة وعدم الاعتماد على الاستيثاق، فقد أكد القرآن الكريم أن من التقوى في تسيير المعاملات المالية والتجارية إقامتها على التوثيق والكتابة، و أطول آية في القرآن الكريم هي آية كتابة الدين التي جاء في أولها'يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ' وجاء في آخرها التأكيد على التقوى'وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ