تحدثنا في مقال سابق عن العلاقة بين القرآن والصيام ، فالقرآن هدى للمتقين والصيام هو دورة تدريبية لاكتساب التقوى. وقد أكدت آية الصيام بوضوح هذه الغاية الربانية 'يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ'.
وأول ما نود التنبيه إليه أن تحقيق التقوى لا يكون فقط على المستوى الفردي، فالخطاب للمسلمين كأمة واحدة بصيغة الجمع' يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام' وهذا يعني أننا مطالبون بتحقيق التقوى في حياتنا كلها، مطالبون بتحقيق التقوى في إحقاق الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة القسط، ونصرة المظلوم، وإقامة مجتمع الفضيلة، وتحقيق التضامن الاجتماعي والدفاع عن قضايانا العادلة ومقدساتنا ومحاربة الفساد في الأرض والعمل على تحقيق صفات الخيرية لهذه الأمة وإخماد الفتن الداخلية والإصلاح بين الناس.
ولو تأملنا في قوله تعالى'فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ' لوجدنا أن هذا النوع من التقوى لا يتحقق بصورة فردية بمعزل عن الأمة والالتحام بقضايا الناس، والعمل على الإصلاح في جميع مجالات الحياة ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، وحتى التقوى الفردية فهي أيضا مرتبطة بالتعامل مع الآخرين والصيام الذي لا يفرز حالة من التقوى تراعي حقوق الآخرين وتدفع صاحبه إلى عدم التعدي بشهادة الزور على غيره أو بأي عدوان فلا حاجة لله فيه كما صح في الحديث الشريف'من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه'.
والتقوى الذي يجب أنت نتعلمه من مدرسة الصيام هو الذي ينعكس بصورة إيجابية على أخلاقنا مع الآخرين، وعلى جهادنا السلمي في مواجهة الظلم والعدوان و في عملنا من أجل إصلاح ذات البين وفي تعاملنا مع البيئة والحرص على عدم الإفساد في الأرض.