تتهيأ في رمضان الأجواء الربانية، التي تفتح للنفس دروب التطهر من الآثام، والتحليق في آفاق التسبيح والتأمل في ملكوت الله والتصالح مع الفطرة السوية، والتحرر من أغلال ودسائس الشياطين. وقد جاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، وَمَرَدَةُ الجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ' وسواء كانت هذه المعاني على الحقيقية أو على المجاز على اختلاف آراء العلماء في تفسيرها، فإن إقبال النفس على العبادة والخير ظاهر وملموس، وتجنب الكثير من العصاة لمعاقرة المعاصي يدركه الجميع، باستثناء من غلبت عليه شقوته، وأعان إبليس على نفسه، وأصبحت نفسه الأمارة بالسوء من جنود الشيطان تزين له العصيان وتكره إليه الطاعة والإيمان، أو من ترسخت العادات السيئة في نفوسهم حتى تحولت إلى طبائع، أو ران على قلوبهم بما كانوا يكتسبون من الآثام فتحولوا إلى شياطين بشرية مجندة تقوم بأدوار الشياطين، وهذا النوع من الشياطين من واجبنا نحن التصدي لهم وتصفيد شرورهم وكشفها وإبطال تأثيرها، ولا سيما بعد أن أصبح لهؤلاء الشياطين صولة وجولة ولديهم وسائل الإعلام، والمال والقدرة على التأثير، ولهذا فإن معركتنا في رمضان مع شياطين الأنس أقوى من شياطين الجن، بالإضافة إلى معركتنا مع أنفسنا وأهوائنا وعاداتنا السيئة والتي يجب نستثمر مناخ التغيير في رمضان للانتصار عليها والله في عون المؤمن على نفسه وعلى شياطين الإنس مادام يستعين بالله ويستهديه في مجاهدة نفسه ومجاهدة أعداء الحق.