يخلط بعض العوام بين مفهوم اتباع الأسباب وضرورة الالتزام بالإجراءات الوقائية للحماية من وباء فيروس كورونا وبين الإيمان بالقضاء والقدر. فالمسلم مكلف باتباع الأسباب وعدم إلقاء نفسه إلى التهلكة، وهو مكلف بالإحسان والإتقان في اتباع إجراءات السلامة فإن الله يحب المتقنين المحسنين' ولَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ '.
والفرار من التعرض للوباء إلى اتباع إجراءات الوقاية هو فرار من قدر الله إلى قدر الله الذي قدَّر المرض لمن تعرض للوباء، و هو الذي قدَّر السلامة لمن حافظ على طهارته والتزم بإجراءات الوقاية، وهذا ما فهمه السلف الصالح من توجهات القرآن والسنة. فهذا الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما انتشر وباء الطاعون في الشام قرر عدم الدخول إليها فقيل له: أتفر من قدر الله يا أمير المؤمنين ؟ قال: نعم، نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت إن نزلت ببقعتين من الأرض، إحداهما مخصبة والأخرى مجدبة، أليس إن رعيت المخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت المجدبة رعيتها بقدر الله ؟!. وهذا هو الفهم السليم للقضاء والقدر، ولهذا كان الأخذ بالعلاج عند الإصابة يعد أخذاً بالقدر، فالعلاج جزء من قدر الله كما جاء في الحديث الحسن عن أبي خُزَامة عن أبيه أنه قال: قلت يا رسول الله، أرأيت رُقى نسترقي بها ودواءً نتداوى به، وتُقى نتَّقِيَها، هل ترد من قدر الله شيئاً؟ قال: ' هي من قدر الله '.
إن مفهوم الإيمان بالقضاء مفهوم إيجابي، وعندما فهمه الصحابة والسلف الصالح آمنوا أنهم من قضاء الله وقدره وأن الله سلطهم على الطواغيت، فهذا المغيرة بن شعبة عندما سأله قائد من قواد الروم: من أنتم ؟ قال: نحن قدر الله، ابتلاكم الله بنا، فلو كنتم في سحابة لصعدنا إليكم، أو لهبطتم إلينا' .
ومن خلال هذا الفهم الإيجابي للقضاء والقدر لا يستسلم المسلم للعجز ويتخذ كل الإجراءات الوقائية ويعد ما استطاع من أسباب القوة والحماية فإذا أصابه شيءٌ يؤمن بأن هذا من قضاء الله وقدره كما جاء في الحديث الشريف'احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شئ فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدّر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان '.
و قد أبتلي بعض المسلمين بهذا الوباء وفارقنا بعضهم إلى الدار الآخرة، وكل ذلك بقضاء الله وقدره. نسأل الله الشفاء للمصابين والرحمة للراحلين والسلامة للجميع.