كلّنَا راحلون من هذا الدار، سواءٌ تأخر موعد الرحيل أو تقدم. والخوف من هذا الرحيل لا يمكن الخلاص منه بالتهرب أو بتأجيل النقاش حوله أو بالانغماس في ملذات فانية ومحاولة تجاهله، فهناك طريق وحيد يملاً نفسك بالثقة واليقين والسلام الداخلي والاستعداد للرحيل، إنه طريق الإيمان والحرص على تزكية النفس لتصل بها إلى درجة النفس المطمئنة التي لا يقلقها سؤال الموت، وتستقبله عندما يأتي برحابة صدر وحالة من الرضى.
والنفس المطمئنة هي النفس المؤمنة الموقنة بلقاء الله الراضية بقضاء الله وقدره، وهي النفس التي أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن نسأل الله إياها، فقد جاء في الحديث'قلْ : اللهم إني أسألُكَ نَفْسًا مطمئنةً ، تُؤْمِنُ بلِقائِكَ ، وتَرْضَى بقضائِكَ ، وتَقْنَعُ بعَطائِكَ'.
والنفس المطمئنة هي النفس الأبية الشجاعة والتي لا تخاف إلا من الله، والتي تصدح بكلمة الحق دون خوف أو تردد أو رهبة من البشر، ولا تتردد في التضحية والمواجهة مع الباطل لأنها تطمئن إلى ربها وتطمئن إلى صدق المنهج الذي تسير عليه، وتطمئن إلى يقينها بأن وعد الله حق. فالنفس المطمئنة ليست نفساً انسحابية جبانة، تعتزل الحياة وتتهرب من المواجهة، فهناك فرق بين السكينة واليقين التي تتحول إلى قوة دافعة لمواجهة الباطل، وبين الهروب من المواجهة بحثاً عن سكينة وهمية يرافقها قلق الشعور بالتقصير في أداء الواجب وخذلان الضعفاء والمساكين وعدم الجهاد في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان وتجنب مقارعة الباطل.
فالنفس المطمئنة المتوكلة على الله الواثقة بصدق وعد الله لا تتردد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومقارعة الباطل والعمل على إحقاق الحق ولا يدركها اليأس ولا يصيبها الإحباط، لأنها لا تنتظر جزاءً من أحد، وتحتسب جهادها عند واحد أحد ستعود إليه يوماً ما وهي مطمئنة بالإيمان به راضية بقضاء الله وقدره وتحفها ملائكة الرحمن وهي تنادي'يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضيةً مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي'.