رغم كل التطورات التي حققتها الثورات العلمية والصناعية الحديثة ما يزال سؤال المعنى دون إجابة، وما تزال كل الفلسفات الإنسانية عاجزة عن تقديم إجابة شافية لمعنى الحياة، ويظل الدين الحق هو المصدر الوحيد الذي يحدد لسفينة الحياة بوصلتها ويرسم آفاقها ويحدد غاياتها ويجيب على أسئلتها المصيرية : من أين؟ ولماذا؟ وإلى أين؟
نعم يبحث الناس في الغالب عن إجابات قصيرة للمعنى، فيميل الناس في مقتبل الحياة إلى اختزال معنى الحياة في إثبات الذات أو الحصول على المال والنجاح المهني أو بناء أسرة والاستقرار العائلي، ولكن وبعد تحقيق كل هذه الأهداف يظهر من جديد سؤال المعنى، سؤال ماذا بعد، ماذا بعد النجاح المهني أو النجاح في جمع المال؟ ما الغايات الكبرى التي يجب أن أكرس حياتي من أجلها؟ والتي يجب أن أوظف نجاحي في الحياة في سبيل خدمتها؟
وكلما تقدم الإنسان في العمر تزداد حدة هذا السؤال وتؤكد الدراسات العلمية أهمية الحاجة إلى المعنى لصحة وتوازن الإنسان النفسي والجسدي والاجتماعي وتثبت أن الذين لديهم معنى في الحياة أكثر سعادة وصحة من أولئك الذين لا يتمتعون بهذا المعنى.
وبعد أن وصلت العدمية الوجودية المادية إلى الذروة اليوم في العالم الغربي بدأ الإحساس بالخواء الروحي والإنساني يتصاعد يوماً بعد آخر ولا سيما مع تصاعد الموجات الشعبوية التي تهدد القيم الإنسانية وبدأ الكثير من الفلاسفة يتداعون إلى إعادة الاعتبار للدين ويؤكدون على أهمية المرجعية المتعالية التي يضفيها وجود الدين على القيم المشتركة، ويطالبون بالتصالح مع مبدأ أخذ المعنى من الدين بعد إخفاقات العلم والفلسفة على حد سواء في الاهتداء إلى المعنى الأكبر لوجودنا في هذا الكون.