عندما نتحدث عن الاستماع فنحن لا نعني مجرد السماع الصوتي فقط الخالي من الحضور الذهني والقصدي، فهناك فرق في اللغة العربية بين السماع والاستماع و الزيادة في المبنى يترتب عليها زيادة في المعنى. جاء في المصباح المنير' استمع لما كان بقصد لأنه لا يكون إلا بالإصغاء، وسمع يكون بقصد وبدونه'
وأمرنا القرآن الكريم بالاستماع والإنصات الفعّال المرتبط بالإصغاء القصدي والحضور الذهني لتحقيق التعلم و الاستفادة من الرحمة الإلهية القرآنية' وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ'
وأشار القرآن الكريم إلى أن عدم السمع والاستماع الفعّال من أسباب عدم التعلم والجهل بآيات الله الكونية ودلالتها الإيمانية' قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ ۖ أَفَلَا تَسْمَعُونَ.'
وانتقد القرآن الكريم من ينعق بما لا يسمع استماعاُ فعّالاً يتجاوز السماع الصوتي للدعاء والنداء واعتبر ذلك من سمات الكافرين' وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلا دُعَاءً وَنِدَاءً'
وتؤكد الدراسات العلمية في مجال التعلم والتواصل في العصر الحديث مصداقية ما أكده القرآن الكريم وتشير إلى أن المتحدث الجيد هو مستمع جيد ومن لا يحسن الإنصات لا يحسن الحديث.
ونؤكد هنا على أهمية اجتماع الاستماع مع الإنصات والمستمع المنصت هو من يستمع بأذنيه مع الحضور الذهني والتركيز على المعاني والإيماءات والتفاعل الإيجابي بالحواس معها.
وهذا النمط من الاستماع والإنصات الفعّال يعني تفتيح مسامات الوعي لتقبل المعرفة الجديدة والاستفادة من آيات الله الكونية وعدم تعطيل القدرات والطاقات التي أنعم الله بها على الإنسان حتى لا يكون كالأنعام بل أضل منها 'ولَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ'