تشهد القيم الإنسانية في السنوات الأخيرة بعض التراجعات الخطيرة التي تزامنت مع ظهور النزعات الشعبوية والفوبيا من الإسلام والمهاجرين، ومع تصاعد هذه النزعات العدوانية وزيادة النزعات الاستهلاكية التي تغذيها الرأسمالية المتوحشة التي تعمل على تغذية الحروب الأهلية و تقديم الدعم الظاهر والخفي لأنظمة قمعية وانقلابات عسكرية، وفي سياق هذا العدوان على حريات الإنسان وحقوقه وكرامته يتم الترويج للإباحية الجنسية بصورة مدمرة لإنسانية الإنسان وتعمل على استعباد المرأة وتسليعها واستخدامها كواجهة للإغراء واشاعة الإباحية الجنسية، وهذه الإباحية في الحقيقة صورة عصرية ومطورة لتسليع المرأة وتشييئها.
وإذا كانت المرأة تتعرض للتشيئ القمعي في بعض المجتمعات المحافظة فإنها تتعرض للتشيئ والتسليع الإباحي في الغرب من خلال إبراز أنوثة المرأة الجسدية واستغلالها بصور مختلفة من دور الدعارة إلى واجهات للإعلانات التجارية مروراً بالتوظيف في الشركات وأسواق العمل التي يتم اختيار المرأة فيها للوظيفة بناء على مواصفاتها الجسدية، و يصل هذا التسليع للمرأة إلى الذروة في عالم الدراما وعالم الفن القائم على الابتذال والإيحاءات الجنسية.
وفي سياق تجريد الإنسان من إنسانيته وتحويله إلى سلعة مجردة من القيم يتم الترويج لثقافة اللذة الفجة باعتبارها الهدف الأسمى للحياة، وتعمل هذه التوجهات على خدمة ثقافة الاستهلاك والاندفاع المحموم نحو إشباع الغرائز بدون أي قيود لتلبية احتياجات رأس المال إلى سوق استهلاكية نشطة، وفي هذا السياق يتم استهداف الأسرة وتفكيكها وتشجيع الفردية والعلاقات الشاذة والممارسات الجنسية خارج إطار الزواج.
والتسليع الذي نشاهد اليوم لا يقتصر على المرأة، فحتى الرجل أصبح يتعرض للتسليع ويتم التعامل معه كسلعة قابلة للبيع والشراء بكليته أو بالقطعة، ولا أدل على ذلك من بيع نجوم كرة القدم كما كان يتم بيع العبيد في أسواق النخاسة.
ورحم الله المفكر الكبير عبدالوهاب المسيري الذي حذر كثيراً من هذه الظاهرة وأشار إلى أننا أصبحنا نعيش في عالم يحولنا إلى أشياء مادية ومساحات لا تتجاوز عالم الحواس الخمس، إذ تهيمن عليه رؤية مادية للكون وما حذرنا منه المسيري يبدو أنه سيأخذ أبعاد جديدة مع ولوج عصر الذكاء الصناعي.