في اللحظة التي يقرر فيها الإنسان السمو من العالم الحيواني إلى الحياة مع الله تتفجر طاقات الفاعلية من ينابيع قلبه ويتملكه الإحساس بالقوة والقدرة التي وهبها له الله ليستثمرها في عمارة الأرض وإقامة العدل ومحاربة الطغيان، وتغمره سعادة لا نظير لها ولا يمكن مقارنتها بالسعادة الوهمية اللحظية التي يعيشها البعض في دهاليز عالم المعصية والتي ينغصها شعور عميق بتأنيب داخلي و إحساس قاتل بالعبثية والعدمية.
فالحياة في معية الله كنز لا يمكن تقدير قيمته بمعاييرنا المحدودة، ومتعة الحياة في معية الله لا يعرفها إلا من ذاق حلاوتها فتملكه الندم على كل ساعة قضاها بعيداً عن طريق الاستقامة وأدرك أنه كان مسحورا مخدوعاً بأوهام اللذات الزائلة والمحدودة والسطحية ' أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ '.
و الحياة في معية الله تبدأ بتصحيح العلاقة بالله وإعلان التوبة ومجاهدة النفس على الابتعاد عن المعاصي والحرص على الطاعات وملازمة الذكر.
وتختلف قدرة كل إنسان على الإقلاع من وهدة المعاصي والحياة الملوثة بالرجس واللغو وإهدار الأوقات إلى آفاق الروح المشرقة بنور الله والقلب المتوهج بضياء الإيمان، فمن رانت على قلبه الآثام وتراكمت عليه طبقات الغفلة لا يمكنه الإقلاع إلى أفق الإيمان السني'كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ' إلا بهزات قوية تعقبها صحوة صحيحة وإرادة حقيقية، والمؤمن الحق يكفيه التذكير البسيط ليعود إلى جادة الطريق إذا أصابته الغفلة فيعود إلى رشده وتتوهج بصيرته من جديد'إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ'