منذ بداية الخليقة والصراع محتدم بين المصالح والمبادئ، ولهذا الصراع جذوره في تكوين الإنسان، فقد فطر الله الإنسان على الخير والشر 'فألهمها فجورها وتقواها'.
وكما هذا الصراع بين قابيل وهابيل استمرت هذه الثنائية في تاريخ البشرية وستستمر إلى قيام الساعة والسعيد من قاوم شرور نفسه وواءم بين قيمه ومصالحه، وبين مصالحه في الدنيا ومصالحه في الدار الآخرة و 'إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِين' ولا ينبغي أن يبتئس أنصار الحق والمبادئ من المقاومة الشرسة التي يبديها عبيد المصالح والأهواء والغرائز والشهوات، فهذه طبيعة الحياة وما علينا سوى الاستعداد لصراع طويل لن ينتهي في الحياة الدنيا، وكلما انتهت جولة منه كانت مقدمة لجولات أخرى يقلب الله فيها ابتلاءات النصر والهزيمة ويداولها بين الناس ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من يحيى عن بينة. إن سنة الصراع بين المبادئ والمصالح سنة دائمة ولا يعني هذا الصراع أن المبادئ تقف في طريق مصلحة الإنسان الحقيقية ومصلحة الجماعة أو أن المبادئ تقف في طريق رفاهية الإنسان ومتعته ولكن المبادئ تضع أنظمة شرعية لهذه الرفاهية في العيش تربطها بالمسؤولية الاجتماعية العامة حتى تصب المصلحة الخاصة في المصلحة العامة، فقد ربطت الشرائع الدينية بين الغريزة الجنسية على سبيل المثال وبين تحمل مسؤولية تكوين الأسرة والحفاظ على تناسل الجنس البشري. وفي الدول التي تسودها اليوم النزعات المادية المتطرفة والإباحية الجنسية بدأنا نشاهد ظاهرة تضاءل أعداد الأجيال الجديدة لصالح الأجيال الكبيرة مع ارتفاع معدلات العنوسة بين الجنسين وهذا من نتاج اضطراب علاقة المبادئ بالمصالح في الثقافة المادية الغربية، والتفكير الأحادي بالمصلحة بمفهومها العلماني الدنيوي الذي لا يعطي أي اعتبار للآخرة.