من الأدعية النبوية التي صحت عن نبينا صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء الذي جاء في صحيح مسلم' اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ، وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ، وَالْبُخْلِ، وَالْهَرَمِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ، اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا. أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا.
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا' وكنا قد توقفنا مع بعض هذه الأدعية التي وردت في هذا الحديث في المقالات السابقة ونخصص مقال الجمعة اليوم مع قوله صلى الله عليه وسلم' اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا' لنعرف كيف نستعين بالله على تحقيق التقوى في أنفسنا فلن ينال الله جميع أعمالنا ظاهرها وأشكالها وألفاظها ومادتها 'وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ' وإنما يتقبل الله من المتقين ولا يفيد من هداية كتاب الله إلا المتقين.
وما شرع الله العبادات إلا لترسيخ التقوى في نفوسنا' لعلكم تتقون' ومن هنا وجب الحرص على التحلي بصفة التقوى وأن نعيش حقيقة التقوى وأن تكون أعمالنا الظاهرة والباطنة تعبيراً عن حقيقية التقوى المستقرة في قلوبنا، وكل عمل يتعلق بالمعاملات والعبادات وشؤون حياتنا يجب أن يتأسس على التقوى' أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ' وقبل كل ذلك يجب توطين التقوى في نفوسنا فما السبيل إلى ذلك؟
لن أدلكم هنا على حلول سحرية فكل ما علينا هو أن نقرع الأبواب ونسلك الطريق وبين يدينا القرآن هدى للمتقين، فهل نريد أن يكون الله معنا؟ ' إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ' وهل نريد أن يكون الله ولينا؟ ' وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ' وهل نريد أن تكون لنا العاقبة؟ ' وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ' وهل نريد النجاة في الآخرة؟ ' ونجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ' فماذا ننتظر؟
لماذا لا نعلنها ثورة في أنفسنا على كل دواعي الأهواء التي تحول بيننا وبين سلوك طريق المتقين؟
ها هو كتاب الله يشرح لنا صفات المتقين وكل ما علينا هو النهوض لمجاهدة النفس على التخلق بأخلاق المتقين'لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ' إن تحقيق التقوى في أنفسنا لا يتحقق بالأماني دون مجاهدة ومكابدة لمشقات الطريق وتحمل للمصاعب واستعذاب للمتاعب واستعداد للتضحية ودفع الضريبة في سبيل نصرة الحق و من أجل الانتصار على أهواء النفس والشيطان والطواغيت' والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا' اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها.