' و أعوذ بك من الجبن والبخل' كما توقفنا في المقالين السابقين مع الدعاء النبوي ' اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الهم والحزن' نتوقف اليوم أمام تكملة الدعاء ' وأعوذ بك من الجبن والبخل'، وبين البخل والجبن الكثير من العوامل المشتركة، فالصفتان تعكسان حالة الخوف على المستقبل، والخوف على السلامة المادية والجسدية، والخوف من الإقدام والتضحية.
و الرذيلة التي تجمع بين الجبن والبخل؛ هي رذيلة الإحجام عن أداء الواجب العام في سبيل الحفاظ على المصالح الشخصية، ولا تستوطن هذه الرذيلة إلا في قلب ضعيف الإيمان فاقد الثقة بالنفس ومتردد تتملكه المخاوف وتستعبده، ويزين له الشيطان بخله وجبنه'الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ'.
و لهذا فإن من وسائل التخلص من البخل والجبن العمل على تقوية الإيمان، والإيمان بأن الله هو الرازق والتوكل عليه وإحسان الظن به، وكلما حدثتك نفسك بالشح عاقبها بالإكثار من الصدقات، يقول ابن القيم'فالفقير الآخذ لصدقتك يستخرج منك داء البخل، كالحجام يستخرج منك الدم المهلك'.
وإذا كان منشأ البخل هو الخوف من المستقبل فيجب أن يعلم البخيل أن المستقبل الحقيقي هو في الحياة الأبدية حياة الخلود وليست حياة الفناء، وأن تأمين المستقبل في الحياة الخالدة مرهون بالتحرر من الشح والإنفاق في سبيل الله، فالإيمان بالله والدار الآخرة هو السبيل السليم للتحرر من البخل والجبن. ومن أهم أساليب التخلص من الجبن التدرب ولو بصورة تدريجية أن يتعلم الدفاع عن النفس و الحقوق الخاصة والعامة، ومن يتدرب على الشجاعة في الدفاع عن حقوقه يكتشف شخصيته من جديد وتدفعه كل خطوة إلى الخطوة التي تليها حتى يشعر أنه قد تحرر من أغلال الخوف بصورة مطلقة.