إعلامي إماراتي .. مستشار في علم النفس التربوي

قبل أن يُطبع على قلوبنا بختم الغفلة
 جاء في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ”لينتهِيَنّ أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمَنّ الله على قلوبهم ثمّ ليكونَنّ من الغافلين” وفي الحديث تأكيد أن تطبيع الوعي على المعصية والانهماك في قضايا الدنيا  مع غياب الإحساس بتأنيب الضمير عند استمراء المعاصي والتقصير في الطاعات إنما هي عقوبة إلهية لكل من شرد عن طريق الله واختار الهيام في أودية الضلال. وقد أكد القرآن الكريم هذا المعني حين ربط بين الانشغال عن الذكر القلبي والشفهي والعملي لله عز وجل وبين تطور هذا الانشغال حتى يصل إلى مرحلة الغفلة'وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِين' والخروج من حالة الغفلة لا يستلزم التجرد من أعمال الدنيا ولكنه يستلزم ممارسة أعمال الدنيا مع استحضار الآخرة بنية القيام بواجب الاستخلاف في الأرض وتعميرها مع الحفاظ على البيئة وعدم الإفساد فيها. فالمؤمن المتحرر من حالة الغفلة يقبل على الدنيا وهو يبتغى مرضاة الله وثوابه فيتقيد بالقيم الإسلامية في العمل ويتجنب المحرمات فلا يغش ولا يزور ولا يسرق ولا يظلم ولا يخون الأمانة، وهو عندما يلتزم بهذه الأخلاق لا يلتزم بها خوفاً من العقوبات القانونية ولكنه يلتزم بها لأنه يذكر الله ويتذكر الآخرة فتردعه معرفته بالآخرة عن  الفساد في الأرض وانتهاك حقوق الخلق، وهذه الأخلاق لا يعرفها من ينغمس في الحياة الدنيا بدون أبعاد إيمانية أخروية'يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ'
 وقبل أن يختم الله على قلوبنا بختم الغفلة ما أحوجنا إلى المبادرة بمحاسبة أنفسنا: هل نشعر بتأنيب الضمير عند التقصير في الطاعات أو الوقوع في المعاصي؟ فهذا الشعور من علامات حياة القلب وأنه لم يصل بعد إلى مرحلة الوفاة. وجاء في الحديث الذي صححه الألباني'من سرته حسنته وساءته سيئته فذلكم المؤمن' و روى البخاري في صحيحه عن  عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه : 'إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقطع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذُباب مرّ على أنفه فقال به هكذا' فقال أبو شهاب: بيده فوق أنفه' 
و على هذا المقياس يجب أن نحاسب أنفسنا ونصحح أوضاعنا قبل أن يطبع على قلوبنا وننغمس في التقصير والمعاصي  و لا نستيقظ إلا بعد فوات الأوان.