الاستسلام لليأس والإحباط نوع من الانتحار البطيء المحرم شرعاً، ليس فقط لأنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، أو لأنه لا يقنط من رحمة ربه إلا القوم الضالون، أو لاقتران اليأس بالكفر 'وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ' فاليأس أيضا يلحق الأذى بالذات ويلقى بالنفس إلى التهلكة. وإن كان لابد من الاستسلام لنوع من أنواع اليأس، فأفضل الخيارات هو اليأس من اليأس، فلا مكان لليأس في قلب يؤمن بأن الله هو الواهب وهو الرازق والباسط وهو على كل شيء قدير.
ولا مكان لليأس في قلب يعرف معنى التوكل على الله، ولا مكان لليأس في قلب يعرف معنى الإيمان بالقضاء والقدر، ولا مكان لليأس في قلب من يؤمن بأن الله سخر للإنسان ما في السموات والأرض وطالبه بالسعي في مناكبها واستكشاف الأسباب مع المصابرة والمثابرة والإصرار والثقة بالنفس وما وهبها الله من قدرات لا تحاصرها أسوأ الظروف وما أكثر المحن قسوة إلا تمحيص لاختبار ثقة المؤمن بخالقه وبما وراء الغيب وبأسرار عالم الشهادة. ولا مكان لليأس في قلب من يدرك أن الله ميزه بالعقل عن سائر المخلوقات وأن السموات والأرض أشفقت أن تتحمل مسؤولية التكليف والإرادة الحرة ونال الإنسان شرف تحمل المسؤولية فإذا انتكس البعض في مهالك اليأس يكون ظلوماً لنفسه وغيره وجاهلاً بقدراته وما ميزه الله به من معرفة وقدرة على الاستكشاف والتغلب على المعوقات.
إن الانتصار على الإحباط واليأس ليس تكليفاً ثانوياً ولا أمراً عادياً بل ضرورة من ضروريات الحياة التي لا يتم العمران إلا به ، وفريضة من فرائض الشرع التي لا يكتمل الإيمان بدون تحقيقه، ولا تتوقع هنا أخي القارئ اللبيب أن ندلك على بعض الطرق للتخلص من اليأس في هذه العجالة، فيكفي أن تؤمن بنفسك ودينك وتثق بقدراتك وستجد ألف طريق وطريق لليأس من اليأس.