يستثقل البعض هذا التوجيه الصارم بتقوى الله حق تقاته، ويميل البعض إلى ما ذهب إليه بعض المفسرين إلى أن هذا التوجيه منسوخ بقوله تعالى'اتقوا الله ما استطعتم' ومن يتأمل بعمق في كتب التفسير لا يجد مبرراً لدعوى النسخ الافتراضية، فتقوى الله حق تقاته هو الهدف الأسمى الذي أوجد الله الإنسان من أجله، وهو الحد الأعلى الذي يجب أن نسعى إليه بكل ما نستطيع. فإذا بذلنا كل طاقتنا في سبيل التقوى فقد طبقنا الآيتين في تقوى الله حق تقاته والتقوى حسب الاستطاعة.
والتوجه بتقوى الله حق تقاته هو توجيه موجه للبشر وهو محدد و مقيد بطاقاتهم وقدراتهم فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ولهذا ذهب حبر الأمة ابن عباس في تفسيره لتأكيد عدم نسخ الآية فروي عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله ' اتقوا الله حق تقاته' قال : لم تنسخ ، ولكن حق تقاته أن يجاهدوا في سبيله حق جهاده ، ولا تأخذهم في الله لومة لائم ، ويقوموا بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم . فهل جاهدنا أنفسنا في سبيل الله حق جهاده؟ وهل جاهدنا الظلم والعدوان والفساد في الأرض بمختلف أنواع المدافعة دون مداهنة ولا مجاملة ودون خوف من غير الله وكنا ممن يصفهم ابن عباس في تأويل حق التقوى 'ولا تأخذهم في الله لومة لائم'؟
وهل وصلت مرحلة حق التقوى في نفوسنا إلى المرحلة التي نقوم فيها بالقسط ولو على أنفسنا وآبائنا وأبنائنا؟ وجاء عن ابن مسعود في تفسير قوله تعالى ' اتقوا الله حق تقاته' قال: أن يُطاع فلا يُعصى، ويذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر.' إن هدف التربية على حق التقوى الذي تتضمنه هذه الآية ' اتقوا الله حق تقاته' حثت على تحقيقه في حده الأعلى من كل حسب استطاعته هدف سامٍ يترتب عليه صلاح الدنيا والآخرة.