في سجون المخابرات العراقية التي كانت خاضعة للإشراف الأمريكي في منتصف العقد الماضي شكل البغدادي ورفاقه أول خلية لتنظيم داعش، و مع بداية الربيع العربي تم إطلاق العنان لهذا التنظيم المشبوه وتزويده بالآلاف من خريجي سجون بعض الدول الإقليمية، وبدأت محاولات إغراق الربيع العربي في وحل العنف والطائفية والحروب الأهلية، والتهيئة لانقلابات عسكرية لوأد عملية التحول الديمقراطي بحجة مواجهة الإرهاب، وبعد خمس سنوات من سفك الدماء والفساد في الأرض -وهو المنهج الذي اعتمدته الثورات المضادة لتأديب الشعوب التي طالبت بالديمقراطية والتمرد على الحكم العسكري- وبعد أن بددت أنظمة الثورات المضادة المليارات في سبيل هذا الهدف، وبعد خمس سنوات من الحروب والعنف؛ بعد كل ذلك جاءت الموجة الثانية من الربيع العربي لتؤكد أن الشعوب العربية سئمت الأنظمة القمعية ولم يعد من السهل ترويضها وتخويفها بالإرهاب والحرب الأهلية والحرب الاقتصادية لكي تستكين وتقبل الدنية والخضوع الذليل لأنظمة ذليلة تابعة لمن يمنحها الحماية، وبعد أن بددت الموجة الثانية من الخرطوم إلى الجزائر ومن بغداد إلى بيروت أحلام الثورات المضادة، وبعد أن أفلست سياسة تحويل اليمن وليبيا وسوريا إلى فزاعات لتخويف الشعوب التي تعشق الحرية والكرامة ولا تتنازل عن حقوقها ولا تقبل حياة الاستضعاف، بعد كل ذلك تبين عدم جدوى استمرار المسرحية الدموية على نفس المنوال فقرر البعض أن يطوي صفحة البغدادي وداعش، وكما تم التغرير بالشباب الأبرياء ودفعهم إلى صفوف داعش لتصفيتهم في معارك خاسرة، يتم اليوم تصفية قادة هذا التنظيم الذي ارتكب مجازر وجرائم بشعة وساهم في تشويه صورة الإسلام و تشويه ثورات الحرية العربية، ونتمنى أن يكون هذا الدرس كافياً للشباب الطائش المتحمس الذي يعيش تحت الإحساس القاسي بالظلم، للتأكد من عدمية خيار العنف الأعمى وأهمية الصبر على النضال السلمي بنفسه الطويل ولو طال زمن الانتظار، وأهمية التصالح مع قيم التعايش والديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان،، وأما الأنظمة القمعية الفاسدة فلا نتوقع أن تستفيد شيئاً من هذا الدرس وستستمر في دعم الانقلابات العسكرية والمليشيات الخارجة عن القانون هنا وهناك حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا.