رغم اقترابنا من توديع العقد الثاني من الألفية الثالثة ورغم ما حفلت به هذه الألفية من تغيرات عاصفة وما تحمله من وعود لتغيرات قادمة في عصر الذكاء الصناعي؛ رغم كل ذلك لم يشهد التعليم العربي ثورة تجديدية تستجيب لتحديات الحاضر ومتطلبات المستقبل.
فما يزال التعليم يؤدي وظائف تقليدية ومعظم مخرجاته في الجانب المهني سيتجاوزها العصر لأنها تهدف إلى إعداد موظفين يقومون بوظائف رويتينية ستحل الآلات التكنولوجية للذكاء الصناعي بدلاً عن البشر في إنجازها وبدقة أكبر.
والتحدي الذي يضع نفسه أمام التعليم هو كيفية إعداد الأجيال القادمة وتزويدهم بمهارات معقدة لا تجيدها الآلات، ومن هنا تأتي أهمية تنمية التفكير الإبداعي وحب المخاطرة والشغف المعرفي والتفكير الناقد.
والملاحظ أن المدراس العربية التي أدخلت البنية التقنية إلى مدارس التعليم تقوم برقمنة التعليم التقليدي ولا تقوم بتجديد أساليب التعلم وأهدافه وإشراك الطلبة في اكتشاف المعرفة، ولا تعمل على تعزيز التعلم الذاتي وربط التعلم بالحياة وتعزيز ثقافة المشاركة والمواطنة. وتعمل رقمنة التعليم الحالية على إشغال الطلبة بقضاء وقت أكبر مع أدوات التكنولوجيا دون استثمار في هذه الأدوات في تحقيق التعلم.
ويؤكد هذا الواقع البائس للتعليم العربي أنه بغياب الإصلاح السياسي فإن جميع مظاهر الإصلاح الأخرى تتحول إلى عناوين لإصلاحات صورية شكلية تستهلك الشعارات وتعمل على تفريغ المضمون من محتواه الحقيقي. ولذلك فإن أي إصلاح حقيقي للتعليم يجعله يواكب روح العصر يستلزم إصلاحات سياسية تختفي فيها أصابع الأجهزة الأمنية التي تلاحق أنفاس المعلمين وتحاكمهم على قناعاتهم وتمارس الفصل التعسفي في حق كل معلم يدعو إلى الديمقراطية والمواطنة المتساوية ويرفض الانقلابات العسكرية التي تسفك الدماء وتفسد في الأرض. فكيف يمكن أن يربي الناس على الحرية والإبداع والإبتكار من يفتقد إلى أبجديات هذه الحقوق؟.