مع أن الإنسان مدني بطبعه إلا أنه يحتاج أيضاً إلى مسافة خاصة يحافظ فيها على خصوصياته تفصل بينه وبين الآخرين ويحرص على احترام هذه المسافة ويعتبر المساس بها مساساً بكرامته.
وتختلف تقديرات الناس لهذه المسافات بإختلاف البيئات والثقافات والطبائع الشخصية.
ومن المهم عند التواصل مع الآخرين مراعاة هذه المسافات وتوضيح مسافاتنا الخاصة للآخرين حتى تشجع على ثقافة تبادل الاحترام.
وقد أولى الإسلام هذه المسافات أهمية خاصة وبدأ بتحديد المسافات بين النبي عليه الصلاة والسلام وبين أصحابه وبين الصحابة وبين أزواج النبي الكريم فنزلت الآيات التي تنهى عن النداء من وراء الحجرات، وتنهى عن البقاء في بيوت النبي بعد أكل الطعام لاستئناس الحديث في وقت غير مناسب، والتأكيد على أن هذه التصرفات التي كان يمارسها البعض بعفوية ودون اعتبار للمسافات الخاصة كانت تؤذي النبي الكريم عليه الصلاة والسلام وكان يستحي من الحديث عن خصوصياته.
وجاءت الآيات التي تنظم هذه المسافات حتى داخل الأسرة بين الأطفال والآباء وبين الاصدقاء، وهذه التعليمات ليست حصرية فهي أقرب إلى النماذج التعليمية والتي ينبغي أن نقيس عليها أي تصرفات تؤذي الآخرين و يعتبرونها تطفلاً على مساحاتهم الخاصة.
والمسافة قد تكون معنوية أو زمانية أو مكانية فينغبي أن تكون هناك مسافة بينك وبين من تتكلم معه، و تتحدد هذه المسافة حسب درجة القرابة أو الصداقة أو التراتب في العمل كالمسافة بين الطالب وأستاذه.
و من المهم محاولة فهم المسافة المكانية المفترضة بيننا وبين من نتحدث معه حتى لا نبدو وكأننا نتطفل على الآخرين أو ننتهك خصوصياتهم وقد يمنعهم الحياء من الكلام مع شعورهم بالتضايق الشديد. وهناك حالات لا يصح فيها إطلاقاً تجاوز المسافة الطبيعية بينك وبين الآخرين مثل المسافة مع الجنس الآخر من غير الأقارب.
وهناك حالات يستحسن فيها أحياناً تجاوز المسافات ويكون هذا التجاوز من الأعلى تجاه الأدنى لإظهار التواضع و الاهتمام والمودة كاقتراب الأستاذ من طلابه أو مدير العمل من موظفيه في ظروف محددة.
إن مراعاة هذه المسافات وفمهما ليس أمراً عاديا أو ثانوياً، فلهذه المراعاة أهميتها البالغة في مراعاة مشاعر الآخرين، و في كونها لغة تواصلية مثلها مثل الصوت والحركة والإشارة والمظهر وغير ذلك. ويمكننا التعبير بلغة المسافة عن غصبنا ورفضنا أو سرورنا وقبولنا.
وتحاول بعض الشركات والمؤسسات تحديد مسافات معينة تساعدها على التأثير الذي تريد إحداثه على موظفيها أو عند التفاوض مع جهات أخرى.