تناولنا في مقال الأمس كيفية تحقيق الراحة النفسية في الأجواء غير المريحة، ونقلنا نصائح خبراء السلوك الإنساني التي تؤكد على أن الراحة في مغادرة منطقة الشعور الوهمي بالراحة الخادعة واقتحام التحديات والتغلب على الصعوبات، ونؤكد اليوم سبق علماء التزكية الإسلامية لتأكيد هذا المبدأ ونكتفي بنقل عبارة قيمة لابن القيم الجوزية في كتابه القيم مفتاح دار السعادة يقول رحمه الله: 'المصالح والخيرات واللذات و الكمالات كلها لا تنال إلا بحظ من المشقة ولا يعبر إليها إلا على جسر من التعب و قد، أجمع عقلاء كل أمة أن النعيم لا يدرك بالنعيم و أن من آثر الراحة فاتته الراحة و أنه بحسب ركوب الأهوال و احتمال المشاق تكون الفرحة و اللذة.
فلا فرحة لمن لا هم له ، و لا لذة لمن لا صبر له و لا نعيم لمن لا شقاء له و لا راحة لمن لا تعب له ، بل إذا تعب العبد قليلاً استراح طويلاً، وإذا تحمل مشقة الصبر ساعة قاده لحياة الأبد، وكل ما فيه أهل النعيم المقيم فهو صبر ساعة ويضيف.
و لا ريب عند كل عاقل أن كمال الراحة بحسب التعب ، و كمال النعيم بحسب كمال المشاق في طريقه' انتهى كلامه رحمه الله ' انظر كتاب مفتاح دار السعادة ص372 ـ373' ومن يتأمل ما تضمنته كلمات ابن القيم رحمه الله ويتأمل تأكيدات علماء السلوك الإنساني في العصر الحديث يجد أن كلامهم لا يخرج عن فحوى كلام ابن القيم رحمه الله في تأكيدهم على أهمية الخروج من منطقة الراحة والإخلاد إلى الكسل من أجل الحصول على الراحة الحقيقية وتأكيدهم أن الراحة ليست في الابتعاد عن الشر حسب الثقافة التقليدية ولكن في مواجهة الشر ومقاومته.