الحياة بطبيعتها لا تخلو من الكدر ومليئة بكثير من المنغصات، والاستسلام لهذه المنغصات يجلب الهم والحزن والشعور بالتعاسة، وقد أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم بالتعوذ من الهم والحزن، فالاستسلام لهذه المشاعر السلبية يقتل فاعلية الشخص ويسلبه سعادته.
فكيف نتحرر من المنغصات ونحافظ على راحتنا النفسية؟ إن الحفاظ على الراحة النفسية لا يعني الاستسلام لمنطقة الراحة السلبية والابتعاد عن كل المنغصات.
فالراحة الحقيقية كما يؤكد الخبراء في اقتحام الصعوبات لا في تجنبها وفي الاصرار على التغلب على التحديات لا الانهزام أمامها، وفي المخاطرة وترويض المخاطر لا الهروب منها.
فالراحة الحقيقية في البحث عن عدم الراحة ومغادرة منطقة الراحة الوهمية التي تجلب الحزن العميق نتيجة الشعور بألم ذهاب العمر دون تحقيق أي نجاح في حياتنا، ودون اكتشاف أي جديد ودون النجاح في التميز الشخصي في أي مجال من مجالات الإبداع والتميز، فالراحة النفسية كما أكدنا لا تتحقق بالهروب من المنغصات بل بالتكيف مع هذه المنغصات والتغلب عليها والبحث عن تحديات جديدة للتغلب عليها، وفرص جديدة لاستثمارها، ومعارف جديدة لتفتح لنا آفاق جديدة. وقد نشعر بالتعب في البداية وعدم الارتياح ولكن إصرارنا على إزعاج نفسنا بمواجهة التحدي يجعلنا في الأخير نشعر بالمتعة العميقة التي لا يمكن أن يشعر بها الكسالى والمتبطلون والعاجزون.
ولهذا أن إزعاج النفس وارغامها على فعل ما لا تحب أن تفعله هو الخطوة الأولى نحو النجاح والتميز، وحتى نتأكد من مصداقية هذا الطرح علينا أن نتذكر بعض الانزعاجات التي قررنا مواجهتها والانتصار عليها وكيف شعرنا براحة عميقة بعد ذلك.
ويمكننا أن نتذكر على سبيل المثال كيف كنا نشعر بالانزعاج ونحن أطفال من دروس القراءة والكتابة وكيف تحول هذا الانزعاج إلى متعة كبيرة بعد النجاح في تجاوز التحدي ومقدار الفائدة من تعلم القراءة والكتابة.
إن الإنسان كادح إلى ربه كدحا ولا مناص أمامه غير التأقلم مع هذا الكدح وحبه وحب ما يترتب عليه. ومن يحب النجاح سيدرك أن النجاح مرهون بالتحرر من العادات الرويتينة التي تدفعنا للبقاء في منطقة الراحة الوهمية والابتعاد من منغصات التكاليف الجادة.