من أكثر الأسئلة والاستشارات التي تصلني من الآباء هي الشكوى من نشاط اطفالهم المفرط. والقليل منهم من يفرق بين النشاط الزائد الطبيعي والذي يدل على أن الطفل أقرب على السواء النفسي؛ وبين الإفراط في زيادة النشاط والذي يدل على اضطراب نفسي وحركي ويحتاج إلى معالجة تربوية ولا سيما عندما يترافق هذا الإفراط في النشاط مع تشتت الانتباه والعجز عن التركيز.
فنشاط الطفل الزائد في الحدود الطبيعية ظاهرة صحية لا ينغبي الانزعاج منه، وعندما يترافق الإفراط في النشاط مع الشرود الذهني والعجز عن التركيز والقلق والتصرفات المندفعة وأحياناً بعض المشكلات في النطق كالسرعة الزائدة والتأتأة والعجز عن الجلوس بدون التقفز والاهتزاز ونحو ذلك فهنا نكون أمام مشكلة تحتاج إلى معالجة تربوية خاصة، وتحتاج أيضاً إلى رعاية صحية.
فأحياناً يكون السبب وراء هذا الاضطراب سبب عضوي كضعف بعض الحواس أو مشكلات في الغدة الدرقية أو إصابات يتعرض لها الطفل في المخ أو تسمم غذائي، وقد يكون السبب نفسيا اجتماعيا نتيجة سوء معاملة الوالدين للطفل والعقاب البدني المتكرر أو تجارب مؤلمة في الطفولة ونحو ذلك.
والمشكلة أن الكثير من المدرسين والمدرسات في روضات الأطفال والصفوف الأولى لا يتلقون التدريب الكافي لتشخيص هذا الاضطراب والتحديد الدقيق لأسبابه والتعامل معه بأساليب تربوية والتعاون مع الأسرة في معالجة هذا الاضطراب.
وفي الغالب يتم التعامل مع الطفل باعتباره مشكلة ومصدر إزعاج والاكتفاء بارسال التنبيهات والتحذيرات للأسرة وإشعار الطفل بأنه غير مرغوب به، وفي الغالب تتعامل الأسر مع هذه البلاغات بالتوتر والانفعال الذي يفاقم المشكلة ولا يعالجها. والأصل أن تتنبه الأسرة لهذا الاضطراب في مراحله الأولى وتكون الخطوة الأولى بزيارة الطبيب وإجراء فحوصات شاملة للطفل للتأكد من وجود أي سبب عضوي وراء هذا الاضطراب.
وبعد الفحوصات الطبية من المهم زيارة أخصائي نفسي للبحث عن الأسباب النفسية والاجتماعية وإطلاع الاخصائي النفسي على نتائج الفحوصات الطبية حتى يستطيع تقدير الموقف بصورة سليمة. ويجب طمأنة الوالدين بأن هذا الاضطراب في الغالب يتلاشى مع النضج والوصول إلى مرحلة الشباب، والمعالجة التربوية الذكية تعمل على تسريع وتيرة التشافي واستثمار زيادة الطاقة بطريقة إيجابية في أنشطة مفيدة وممتعة.
والكثير من هؤلاء الأطفال يتحولون إلى أطفال ناجحين وفاعلين في المستقبل، ولهذا ينبغي على الوالدين عدم الإكثار من التوبيخ والتحقير والتقريع لهؤلاء الأطفال فهذه الأساليب تشعر الأطفال ذوي النشاط المفرط بعدم التقبل الأسري والاجتماعي لهم وتزيدهم عناداً وتزيد حالاتهم تعقيداً، ولا يعني ذلك الإفراط في التدليل فكلا طرفي الأمور ذميم.
وأخيراً نؤكد على أهمية صبر الوالدين في التعامل مع هذه النوعية من الأطفال، وعدم اليأس منهم أو إشعارهم بأنهم فاشلون ولا يصلحون لشيء أو أنهم عبء على الأسرة أو مصيبة أو عقوبة إلهية فأمثال هذه العبارات تعمل على تفاقم المشكلة وزيادة حدتها، ومع الصبر والحنان الأسري واستشارة المتخصصين للبحث عن حلول يمكن التحكم بالظاهرة وتحويلها من سلبية إلى إيجابية.