إعلامي إماراتي .. مستشار في علم النفس التربوي

الحرية والحكم الرشيد
الحرية والحكم الرشيد' لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي'
الحرية هي التحرر من الإكراهات التي تقيد السلوك الإنساني وتمنعه عن فعل كل ما لا يضر بالغير، لأن ما يضر بالغير لا يندرج في نطاق الحرية بل يعد انتهاكاً لحرية الآخرين. والتحرر من الإكراه يرتبط بحالة الرشد الإنساني لأن التقييد القانوني المقبول لحرية السلوك يرتبط بالعادة بالإنسان القاصر قبل أن يصل إلى مرحلة الرشد، ومن هنا اقترنت الحرية والتحرر من الإكراهات في القرآن الكريم بالرشد ' لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي' وكما ترتبط الحرية الفردية بالإنسان الراشد، ترتبط الحريات العامة بالحكم الرشيد. وعندما يؤكد القرآن حرية العقيدة ويرفض الإكراه في الدين فإنه يؤكد رفضه لمبدأ الإكراه في الحكم والسياسة والحياة الاقتصادية والاجتماعية من باب أولى. فالحرية في التصور الإسلامي ترتبط بحرية الإرادة وأمانة التكليف، فلن يحاسب الله الإنسان على عمله إذا كان مسيراً وغير مخير ولا يمتلك حرية الإرادة فقد خلق الله البشر ومنحهم حرية الإرادة ليبلوهم أيهم أحسن عملا، ولا قيمة لهذا الاختبار إذا كان الإنسان مسير وخاضع للإكراه. وفي الحكم الإسلامي الرشيد ترتبط قيمة الحرية بالكثير من القيم الإنسانية والإسلامية ومنها قيمة الشورى، فإذا كان الإنسان لا يملك حرية الاختيار السياسي فلن يكون هناك أي معنى للشورى. وترتبط الحرية بقيمة الكرامة الإنسانية، فانتهاك حريات الإنسان وحقوقه انتهاك لكرامته الإنسانية وهذا ما فهمه الخليفة الراشد عمر بن الخطاب حين بلغه أن البعض منعوا الآخرين من ممارسة حرياتهم واعتدوا عليهم، فاعتبر ذلك استعباداً يتناقض مع أصل الفطرة وقال عبارته المشهورة' متى استبعدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا' و قد أصبحت العبارة  أول فقرة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. و ترتقي الحريات السياسية في الحكم من الحق إلى الواجب، لأن حرية التعبير في  نقد الحاكم والاعتراض على الظلم ليس مجرد حق إنساني بل واجب ديني لأداء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتشمل الحريات السياسية حرية التعبير وحرية التنظيم والمشاركة في الحياة السياسة والاجتماعية وحرية الاحتجاج السلمي. وتعد الحريات العامة في الأنظمة الحديثة من أهم مقومات الحكم الرشيد ولا تتحقق بقية المقومات كالمشاركة والشفافية والعدالة بدون حريات عامة ينظمها القانون العادل. ولا تقيد أحكام الشريعة الإسلامية أي سلوك إنساني إلا ما يعد تعدياً على حرية الآخرين ويلحق الضرر بالنفس والمجتمع فلا ضرر ولا ضرار والإنسان حر بحيث لا يضر.